عندما يتوسد أحدنا وسادته اللينة، ويلتحف بغطائه الدافئ، ويغط في نوم عميق، ثم يستيقظ بعد ساعات عدة، لا يكاد يشعر إلا باليسير من منافع هذا السلوك المثير، الذي مازال العلماء يحاولون فهم أسراره، من دون تفصيل، أسرد ما للنوم السليم من بعض الفوائد الصحية والنفسية والسلوكية وحتى الاجتماعية، بهدف الدعوة إلى الاهتمام بهذا السلوك الإنساني البدائي الضروري لاستمرار الحياة... النوم حالة «موقتة» من السكون البدني والعقلي، مرتبطة بإغلاق العينين، وغياب كامل أو جزئي عن الوعي، مع ضعف القدرة على الاستجابة للمؤثرات الخارجية. ومن وظائف النوم المعروفة، إعادة شحن الطاقة، وصيانة أعضاء الجسم، وترميم أنسجتها، واستبدال ما عطب من خلاياها، لضمان عملها بكفاءة عالية، فضلاً عن المساعدة في النمو البدني والعقلي السليم للأطفال، نتيجة لإفراز هرمون النمو في مرحلة النوم العميق بصفة خاصة، ومن المعتقد أن التعرض لمرحلة «النوم الحالم» يُساعد على دعم الذاكرة، وأرشفة المعلومات المكتسبة بحسب أهميتها، إضافة إلى التعامل السليم مع المشاعر العاطفية، ما يساعد على استقرار المزاج، ورد الفعل المناسب تجاه الأحداث المختلفة، والمدهش أن بعض الدراسات أشارت إلى تأثر جهاز المناعة سلباً بالحرمان المزمن من النوم السليم، ما يجعل البدن عرضة لخطر الإصابة بالعدوى الفيروسية، كالزكام والإنفلونزا، والنزلات المَعَوية. ونتيجة للنوم بعدد ساعات كافية (7 - 8 ساعات لمتوسطي العمر)، يتجنب البدن الأثر السلبي لزيادة إفراز هرمونات التوتر كالكورتيزول والأدرينالين، نتيجة للسهر المفرط والأرق والتململ خلال الليل، ما يساعد على الوقاية من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، كما أفادت بعض الدراسات الموثقة، بل إن بعض البحوث أظهرت بجلاء إرتباط الكفاية من النوم، بالحفاظ على الوزن المناسب، وتجنب الإفراط في تناول الطعام الذي يعاني من مضاعفاته كثير من الأفراد. أما فوائده النفسية والسلوكية، فالنوم الهادئ بعدد ساعات مناسبة، يُخفض من مستوى التوتر العصبي، ويحافظ على استقرار النفس وصفاء التفكير، ويساعد على سلامة الحكم وحسن التصرف، ويقي بشكل ملاحظ من اضطرابات المزاج وحتى مرض الاكتئاب، لما لاضطرابات النوم من ارتباط وثيق بالمشكلات السلوكية والنفسية في كثير من الحالات. وعلى الصعيد الاجتماعي، أوضحت بعض الدراسات أثر اضطرابات النوم في ازدياد المشكلات الزوجية وتدهور التحصيل الدراسي، وارتباط الحرمان من النوم بعدد من الكوارث الصناعية كحادثة مفاعل تشيرنوبل النووي، وانفجار مكوك تشالنغر سنة 1986، وكارثة تسرب النفط من الناقلة العملاقة إكسون فالديز عام 1989، إضافة إلى آلاف حوادث الطرق سنوياً نتيجة للنعاس أثناء القيادة والإصابة باضطرابات النوم المختلفة. لذا، ففي خضم الانشغال بالأمور المعيشية الضرورية، أو الاجتماعية والترفيهية، خصوصاً في أيام الإجازة الصيفية، فإن من الضروري الدعوة إلى الاهتمام بسلوك النوم الحيوي وانضباط أوقاته، كما اهتم به أجدادنا، وأخذ القسط الكافي منه أثناء الليل، وليس النهار، ومقاومة إغراءات الأنشطة الاجتماعية بعد منتصف الليل، وتغيير ثقافة الناس المعاصرة التي ربطت أوقات الترفيه بالتدخين والسهر حتى ساعات الصباح، والإفراط في تناول المنبهات. مدير مركز اضطرابات النّوم مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بجدة [email protected]