هل الحصان «فرانكل» أعظم حصان في تاريخ سباق الخيل؟ هل هناك حصان يستحق أن يحمل هذا اللقب؟ سأحاول الإجابة ولكن أبدأ من البداية. كنت في سنتي الثانية في الجامعة وأعمل في وكالة رويترز في بيروت لتأمين مصروف الجيب، وأزور «عمّو» أبو السعيد أبو الريش، مدير «تايم/لايف» المحلي في مكتبه بين فندقي سان جورج وفينيسيا لآخذ نسخاً مما يصل إليه من مجلات أميركية. «تايم» مجلة مهمة ومثلها «لايف» القديمة، غير أن مجلتي المفضلة كانت «سبورتس إلاستريتد» بمعنى الرياضة المصورة، فكنت أقرأها من الغلاف إلى الغلاف، وأصبحت خبيراً في خيل السباق الأميركية، وتحديداً في حصان اسمه «نورذرن دانسر» تقاعد بعد نجاح هائل في الميادين وأصبحت وظيفته إنجاب سلالة من خيل السباق ترقى إلى مستواه. أختصر الزمن إلى العقد التالي، أو سبعينات القرن الماضي، وقد رأست تحرير «عرب نيوز» في جدة و «الشرق الأوسط» في لندن، وأصبح الأمير فهد بن سلمان من أقرب أصدقائي وأعزهم. هو فوجئ بأن يكتشف أنني خبير في خيل السباق، وكان قد بدأ يهتم بهذه الرياضة الملوكية عن طريق عمه الأمير خالد العبدالله، والد زوجته الأميرة نوف، وكذلك انتقلت العدوى إلى الأمير أحمد بن سلمان. وأصبحتُ أحضر سباقات الخيل في لندن مع الأميرين، وكان حظهما «يفلق الصخر» فالحصان «جينروس» الذي يملكه الأمير فهد فاز بسباق الداربي سنة 1991 والحصان «اوث» الذي يملكه الأمير أحمد فاز بالداربي، وهو أهم سباق للخيل الأصيلة في إنكلترا، سنة 1999. الأمير فهد فاز ببعض أهم سباقات الخيل في فرنسا وإيطاليا. والأمير أحمد لازمه الحظ الحسن في الولاياتالمتحدة وحصانه «بوينت غيفن» فاز باثنين من أهم ثلاثة سباقات للخيل هناك، واسمها «التاج المثلث» سنة 2001 وعاد في السنة التالية وفاز حصانه «وور امبلم» بسباقين من الثلاثة، بينها «الداربي» وهو أهم سباق أميركي، فكان إنجازاً غير مسبوق، حتى أن الأمير أصبح نجماً تلفزيونياً على رغم إرهاب 11/9/2001، فقد حقق ما عجز عنه جميع مربي الخيول قبله وبعده. ونلت حصتي من وهج نجاح الأميرين فكنت أجلس معهما في أفضل أجنحة المالكين والمتفرجين. والأمير فهد كان في عربة الملكة إليزابيث والأمير فيليب في افتتاح أسبوع أسكوت الملكي في السنة التالية لفوز «جينروس»، وهي زارته في دارته القريبة من ميدان السباق وزرعت شجرة في الحديقة وجلست معنا وحدثتنا وقتاً طويلاً. واكتمل الحظ الحسن عندما أصبحت خيل الخالدية التي يملكها الأمير خالد بن سلطان تفوز بمباريات الخيل الأصيلة حول العالم كله من الخليج ومصر إلى عواصم الشرق والغرب، فكنت أذهب إلى مزرعته قرب الرياض و «أدرس» الأمهار محاولاً أن أحدد أيها سيكون مرشحاً للفوز في المستقبل. وأصبحت أملك كل الثياب الرسمية المطلوبة لحضور السباق والقبعات، من دون أن أنسى سنوات ما قبل المراهقة، وأنا أتابع أشواط سباق الخيل في بيروت من شقة أقارب لي تطل على الحلبة. في الحديث الشريف: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. والخيل ظهورها عزّ وبطونها كنز، وكانت أيام عز حقيقية تبعتها مأساة لا تُصدَّق فقد توفي الأمير فهد في تموز (يوليو) 2001، وتوفي الأمير أحمد في الشهر نفسه سنة 2002، وأقسمت بعد رحيلهما ألا أذهب إلى ميدان سباق ولم أفعل حتى الآن. في السنتين الأخيرتين برز سبب كاد يعيدني إلى ميادين السباق لولا أنني لم أتصور نفسي فيها من دون فهد أو أحمد، والسبب هو الحصان «فرانكل» الذي يملكه الأمير خالد العبدالله، والذي سجل يوم السبت الماضي فوزه الرابع عشر في 14 سباقاً خاضها، منها تسعة لخيل الدرجة الأولى. هذا الحصان أصبح يُقدَّر ثمنه بأكثر من مئة مليون جنيه استرليني، ومهمته الآن «الشِّبي» كما نقول في لبنان، فيدفع صاحب الفرس أكثر من مئة ألف جنيه لتُنجب فرسه من أعظم حصان سباق في التاريخ. وبما أن «فرانكل» يستطيع القيام بهذه المهمة حوالى 200 مرة في السنة، وبما أنه سيظل قادراً على «الشّبي» حوالي عقدين، فما على القارئ إلا أن يضرب مئة ألف بمئتي مرة بعشرين سنة ليحصل على رقم تقديري لدخل المحترم فرانكل. الجانب المالي مهم، غير أن النجاح أهم لمالك خيل من مستوى الأمير خالد العبدالله، فصفته الآن مالك أعظم حصان أصيل في تاريخ سباق الخيل، وهذا وسام أبقى من الفلوس. وكم كنت أتمنى لو أن الأمير فهد والأمير أحمد معنا ليَسعدا مع العم الصديق.