كان لسان حال سكان حي غاردن سيتي القاهري، حيث تقع السفارة الأميركية ضمن مجموعة من السفارات الغربية، يقول: «يا فرحة ما تمت»، في حين اكتفى أصحاب المحلات والباعة في الأكشاك بمراقبة الموقف من خلف الأبواب المغلقة وهم يندبون حظهم العاثر. فما كاد رواد «المربع الذهبي» في الحي يتنفسون الصعداء بفتح المداخل والمخارج التي أغلقتها المتاريس والسياج وقت غزو أميركا للعراق في عام 2003، وغياب الوقفات الاستجوابية من قبل أفراد الأمن والمخبرين، وفتح المجال لأصحاب السيارات لإيقاف سياراتهم من دون تهديد بالإزالة ووعيد بالمخالفة، حتى استيقظوا على أصوات الأوناش والكراكات والرافعات العسكرية وهي تشيد حواجز خرسانية لمنع الوصول إلى موقع الحدث حيث السفارة الأميركية. الأجواء حول السفارة الأميركية القابعة في هذا المكان منذ عام 1974 - وقت عادت العلاقات المصرية - الأميركية في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتي كانت مصر قطعتها في عام 1967 - ظلت بمثابة «ترمومتر» لدرجة حرارة العلاقات بين الدولتين، فالتواجد الأمني المكثف وإمعان التضييق على راغبي دخول المربع كان يعني إما تصرفات أميركية إقليمية تستدعي رفع درجة التأمين خوفاً من الانتقام، أو احتفالاً بعيد «الاستقلال» في الرابع من تموز (يوليو)، أو توتراً موقتاً في العلاقات الثنائية. لكن الجدارين الخرسانيين المشيدين في شارع أميركا اللاتينية في أعقاب المواجهات العنيفة بين «متظاهرين» وقوات الأمن نقلا الأجواء حول السفارة إلى مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين الدولتين. أحد بوادر المرحلة الجديدة في العلاقات بدا من خلال الموقف الهزلي بين «الإخوان» والسفارة الأميركية حين بادر القسم الإنكليزي من موقع «إخوان ويب» بنقل تغريدة لنائب مرشد جماعة «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر عبر فيها عن ارتياحه بأن «العاملين في السفارة الأميركية لم يصابوا بأذى»، وتمنى أن «تتحمل العلاقات المصرية - الأميركية اضطرابات الأحداث». حدث هذا في وقت كان الجزء العربي من الموقع نفسه يموج بكم هائل من العبارات الغاضبة الخالية تماماً من أية بوادر رفض لما يحدث حول السفارة أو محاولات اقتحامها وبعد ساعات من ابتهاج صفحة تابعة لشباب «الإخوان» بمقتل السفير الأميركي في ليبيا. وجاء الرد عبر «تغريدة» من حساب السفارة تقول: «شكراً! وبالمناسبة هل ألقيتم نظرة على ما تكتبونه على موقعكم باللغة العربية عن هذا الشأن؟ نتمنى أن تكونوا على معرفة بأننا نقرأ ذلك أيضاً». سكان المربع الذين يطلون من شرفاتهم لتصطدم أعينهم بال «غرافيتي» الذي غطى جدران السفارة يهرعون إلى داخل بيوتهم لغسل عيونهم من آثار قنابل الغاز المسيل للدموع، ثم يلجأون إلى الإنترنت بحثاً عن تطورات الموقف. تستوقف بعضهم تغريدات للقائم بأعمال رئيس حزب «الحرية والعدالة» الحاكم عصام العريان يقول فيها إن «الدين ليس أقل من الهولوكوست»، فيتعجبون من التشبيه. يتابعون بقية التغريدات فيجدون الضاحك الباكي منها، مثل ترجيح اختباء من قام بدبلجة الفيلم في غاردن سيتي في ضوء إصرار المتظاهرين على اجتياحها، أو إعلان دخول الإسلام غاردن سيتي عبر الأعلام الجهادية السوداء، أو اعتقاد المتظاهرين أن قوات الأمن هم كفار قريش، ومن ثم رشقهم بالطوب، أو تسمية ما يحدث ب «غزوة غاردن سيتي». يبتسمون موقتاً، ثم تجتاحهم الهموم والأسئلة عما ستؤول إليه الأحداث في مربعهم الذهبي وهل سيبقى الجدار الخرساني الذي عزلهم؟ وهل ستعود إجراءات التأمين حول السفارة كما كانت عليه أثناء سنوات الإغلاق؟ وهل سيعود الصبية إلى محاولات دخول المربع؟ وهل يتمكن أبناؤهم اليوم من اللحاق باليوم الأول للعام الدراسي؟. حتى مشاعر التعاطف التي انتابت أصحاب المحلات المقابلة للسفارة في اليوم الأول للتظاهر والناجمة عن غضبهم من الفيلم والإساءة إلى النبي محمد تحولت إلى قلق بعدما انقلبت الآية، وصب المتظاهرون - وأغلبهم من الصبية القادمين من مناطق شعبية - غضبهم على أفراد الأمن. الشعور العام في «المربع الذهبي» أمس كان قرفاً مشوباً بالقلق، ورغبة عارمة في ألا تسفر «غزوة غاردن سيتي» عن أضرار أكبر ومخاوف أعتى مما هي عليه.