كانت شافيليا أحمد تعرف حقوقها المنصوص عليها في القانون البريطاني. ذهبت الفتاة البالغة 17 عاماً إلى المجلس البلدي وملأت استمارة للحصول على سكن مجاني توفّره الدولة لطالبي المعونة الاجتماعية. أرادت العيش حياة مستقلة عن والديها اللذين كانت تخشى أن يزوّجاها قسراً في بلدهما الأصلي باكستان. وللأسف، لم تتمكن شافيليا من تحقيق هدفها بالفرار من والديها افتقار وفرزانة، فقد قتلاها خنقاً، لأنهما خشيا أن يلحق بهما «العار» في الجالية الباكستانية نتيجة حياة ابنتهما «المتحررة» من تقاليد مجتمعها المحافظ. حكمت المحكمة على الوالدين بالسجن 25 سنة قبل أيام فقط، على رغم أن جريمة القتل وقعت عام 2003. قتْلُ شافيليا أثار ضجة في بريطانيا، لأن القاتلَيْن هما أبو الفتاة وأمها، ولأن الجريمة تُعتبر من «جرائم الشرف» الغريبة عن التقاليد البريطانية. لكن قصة محاولة فرار شافيليا من منزل أهلها لا تبدو بأي حال حدثاً يثير الاستغراب في مجتمع بريطاني تحفل سجلاّته بأرقام خيالية من الأطفال الذين يفرون يومياً من منازل أهليهم ويعيشون حياة المشردين ويواجهون مخاطر سوء الاستغلال الجنسي أو الانجرار إلى الجريمة. وسلّطت «جمعية الأطفال» في بريطانيا «ذا تشيلدرينز سوسايتي» الضوءَ على هذه المشكلة في تقرير تحت عنوان «اجعلوا الهاربين (من منازلهم) آمنين»، قالت فيه إن قرابة 100 ألف طفل يفرّون كل سنة من أسرهم في بريطانيا. ويوضح أن طفلاً واحداً يفرّ كل خمس دقائق من منزل أهله أو منزل العائلة التي ترعاه في بريطانيا، وأن هذا العدد يصل إلى 275 طفلاً كل يوم، و2000 كل أسبوع، و100 ألف كل سنة. وتشير الجمعية إلى أن الأكثر إثارة للاستغراب، أن ربع هؤلاء الأطفال الصغار –أي 70 كل يوم– يُرغمون على ترك منازلهم من قبل أهليهم أو ممّن مِن المفترض أنهم يتولون رعايتهم. ويقول التقرير: «أكثر من 100 ألف طفل يهربون كل سنة. إنهم يعيشون غالباً في مخاطر كبيرة خلال إقامتهم في الشوارع. كثيرون منهم سيلقون الأذى أو يُساء استغلالهم خلال عيشهم بعيداً من منازلهم». ويوضح: «في معظم الحالات، الأطفال الذين يهربون لا يتلقون المساعدة التي يحتاجونها. إن ثلثي الأطفال الذين يهربون لا يتم إبلاغ الشرطة عنهم، كما أن ثلاثة من بين كل أربعة منهم لا يسعون إلى الحصول على مساعدة، لأنهم لا يعرفون إلى مَن يتجهون، أو لأنهم يشعرون أنّهم غير قادرين على الوثوق بأحد. هؤلاء الأطفال بحاجة إلى مساعدة». ويعكس عدم لجوء هؤلاء الأطفال الهاربين إلى طلب مساعدة السلطات المحلية، إمّا خوفَهم من أن تتم إعادتهم إلى منزل الأسرة التي فروا منها، أو جهلَهم بأن لهم الحق في الحصول على مساعدة الدولة، وهو أمر كانت تعرفه -كما يبدو- شافيليا أحمد، كونَها قدّمت طلباً للحصول على مقر للإقامة وحدها. لكن شافيليا كانت في السابعة عشرة من عمرها عندما قُتلت، وحتى ولو فرت من أهلها لما كان يمكن أن يُطلق عليها وصف هاربة (run away) لأن هذا الوصف يُطلق فقط على من هم دون 16 سنة. والمشكلة الخطيرة في بريطانيا اليوم هي أن أطفالاً كثيرين يفرّون من منازل أهليهم وهم أصغر بكثير من 16 سنة. وتلاحظ «جمعية الأطفال» في تقريرها «أن الأطفال الذين يهربون أصغر عمراً وأكثر ضعفاً من ذي قبل». وتشير الى ان عمر الهاربين في العادة كان بين 13 سنة و14 سنة، أمّا الواقع الحالي فيدّل على أن أطفالاً في الحادية عشرة والثانية عشرة من عمرهم هم من يطلبون المساعدة، كما أننا نعمل أيضاً مع عدد من الصبيان أكثر من البنات». وتوضح الجمعية أن دراساتها بيّنت أيضاً أن الأطفال الذين يعيشون في الرعاية الاجتماعية يكونون ميّالين أكثر للفرار من الذين يهتمون بهم (3 مرات أكثر من الذين يعيشون في منزل أهليهم)، وربع الفارين يقولون إنهم كانوا يعانون صعوبات في مدارسهم. وتضيف أن قرابة ربع الأطفال الهاربين سبق لهم أن تعاطوا مشروبات كحولية أو مخدرات ووقعوا في مشاكل مع الشرطة، كما تشير أيضاً إلى أن الأطفال الذي يعيشون مع أحد والدَيْهم الذي حصل على الطلاق، وانتقلوا للعيش في منزل جديد مع زوجِ أُمٍّ أو زوجة أبٍ، يكونون أكثر ميلاً بثلاث مرات للفرار مقارنة بأقرانهم الذين يعيشون مع أمهم وأبيهم معاً. وتركّز برامج الجمعية على العمل مع أطفال عرضة على وجه الخصوص للاستغلال الجنسي، أو تمّ استغلالهم جنسياً. وتوضح الجمعية: «استخدام الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي جَعَلَ استهداف الأطفال الضعاف أكثر سهولة، إذ يتم استهدافهم على يد بالغين في الأماكن العامة، وفي شكل أكبر على يد أقرانهم». وتقول الجمعية التي تعنى بالأطفال المشردين منذ 25 سنة، إن برنامجها لحماية الهاربين «يهدف إلى ضمان أن كل طفل يهرب من المنزل يلقى الحماية من خلال دعم شبكة أمان وطنية». وتقول إنها توفّر الدعم لأكثر من ألف طفل هارب سنوياً، وإنها تقوم بهذا العمل لأن الحكومة والوكالات الحكومية المعنية لا تقوم بما يكفي لوضع هذه المشكلة على رأس اهتماماتها. وتشير إلى أن الدراسات التي أجرتها توضح أن الفتيات الصغار أكثر عرضة من الصبيان للتفكير في الفرار من أهلهم، وأن السنّ التي يحصل ذلك فيها تكون غالباً بين 13 و15 سنة. وتضيف أن ربع الأطفال الهاربين يقومون بذلك عندما يبلغون 13 سنة، وأن طفلاً واحداً من بين كل عشرة هاربين لا يتجاوز عمره عشر سنين.