جاء مهرجان صيف صنعاء السياحي لهذا العام محمولاً على جملة تناقضات ما انفكت تعتمل في المجتمع اليمني، وتجعل أمر تنظيم أنشطة جديدة محفوفاً بالخسارة والأخطار. ويرى بعضهم في التركيبة التقليدية التي تسم البلد، مجتمعاً وسلطة، سبباً للمراوحة في شأن إعادة الروح إلى قطاع السياحة الذي تلقى ضربة قاصمة قبل أن يقف على قدميه، إذ تراجع عدد السياح الأجانب بسبب العمليات الإرهابية التي شهدها اليمن. وعشية المهرجان الذي يستمر حتى 17 آب (أغسطس)، أطلت جماعات متشددة برأسها مجدداً، وتمكنت هذه المرة من إغلاق عدد من مراكز التدليك والمطاعم الصينية. ونشرت أجواء توجس وحذر. ويرى مراقبون أن استئناف «هيئة الفضيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» نشاطها، من شأنه أن يقلص فرص نجاح المهرجان السياحي الرابع، الذي جاء أصلاً اقل من المستوى قياساً بالأعوام الماضية. وتعرضت السياحة في اليمن لانتكاسة بسبب الحوادث الإرهابية التي شهدها البلد خلال السنوات الأخيرة، واستهدفت سياحاً أجانب. واستغرب بعضهم أن يلتقي نواب موالون ومعارضون على إثارة ما يزعم أنه انتشار للرذيلة، بينما تواجه البلاد مشكلات مختلفة. ويقول حسين مهيوب (38 سنة، صاحب مقهى): «يبدو أن لا اختلافات كبيرة بين الأحزاب اليمنية في ما يتعلق بالتخلي عن المصالح العامة»، معتبراً ان هناك «لعباً بورقة المعتقدات وادعاء للوصاية على الأخلاق العامة، وهذا أمر مشين، خصوصاً عندما يراد تعطيل اقتصاد البلد». ويتابع: «لا أحد من السياسيين يلتفت إلى تفاقم الفقر والبطالة، في حين يحرص الجميع على حماية الأخلاق». ويسعى اليمن من إقامة المهرجانات السياحية التي بدأ العمل بها منذ أربع سنوات، إلى جذب السياح الأجانب والعرب واليمنيين المقيمين في الخارج، والترويج للمنتج السياحي وحفز رؤوس الأموال اليمنية والعربية والأجنبية للاستثمار في هذا المجال. بيد أن وقوع حوادث إرهابية، أودى بعضها بحياة سياح غربيين، شل حركة السياحة، في وقت تندر السياحة الداخلية. ولوحظ حرص الجهة المنظمة للمهرجان على عدم إدراج نشاطات من شأنها إثارة الجماعات المتطرفة. وتقول مديرة مكتب السياحة في أمانة العاصمة وعضو اللجنة الإشرافية على المهرجان فاطمة الحريبي: «لا يوجد ضمن برنامج المهرجان ما يمكن أن يثير حفيظة المتشددين». وكانت الحريبي تلقت خلال مهرجان العام الماضي تهديدات عبر الهاتف بقتلها وأحد مساعديها، في حال السماح بإقامة حفلة فنية كانت مقررة للمطرب المصري إيهاب توفيق. وكان 62 نائباً في البرلمان، من الموالاة والمعارضة، طالبوا باستدعاء الحكومة لمناقشة «الفساد الأخلاقي في البلاد». وأكدت السلطات إغلاق 16 مركزاً صينياً للتدليك، في صنعاء، بدعوى مخالفتها للشروط. ويشتمل المهرجان الذي تنظمه وزارة السياحة، ويستمر حتى 17 آب (أغسطس) المقبل، على معارض للمنتجات الشعبية اليدوية وحفلات فنية لفرق فولكلورية يمنية وعربية، وأمسيات شعرية وعروض في رياضة الدراجات النارية ومشاركات توعوية لبعض الجهات الحكومية ومسابقات في الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي، وعروض للدمى ومسابقات سياحية ومعارض للتسوق وعروض للسيرك وعروض للرقص الشعبي. وتعترف الحريبي بتعقيد الأوضاع وضعف إمكان تحقيق المهرجان أهدافه في شأن استقطاب سياح أجانب. ولكنها ترى ان في مقدور المهرجان حفز السياحة الداخلية. وتؤكد أن الإقبال كان ممتازاً، في ظل سياحة داخلية ما زالت شبه معدومة. وتلفت الى دراسات رسمية تبين تدني اهتمام اليمنيين بالسياحة الداخلية والخارجية على حد سواء. ويرى الصحافي نبيل سبيع أن إمكانات الجذب السياحي في اليمن لم يعد لها وجود. ويقول إن عودة هيئة الفضيلة «ليست من أجل استهداف سياحة غير موجودة أصلاً، وإنما من أجل الدور الذي ستلعبه في حروب الشوارع التي بدأت مقدماتها في الجنوب». وكان مقتل شماليين في مناطق الجنوب فاقم المخاوف لدى الشماليين الذين عادة ما يقصدون عدن في العطل، ما يعني أن السياحة الداخلية على محدوديتها مهددة أيضاً.