بينما عادت روسيا الى طريق الازدهار، في الأعوام الثمانية الماضية، وشغلها تجديد دورها قوة راجحة على المسرح الدولي، عكّر عليها اطمئنانها تقلص عدد سكانها أو أفولها الديموغرافي. وفي معظم البلدان، تنخفض نسبة الوفيات ويزيد الحظ في الحياة، ويطول متوسط الأعمار، على خلاف روسيا. فالولادات الروسية قليلة، وتبلغ 1.4 ولادة للمرأة الواحدة في 2007 وكانت 1.2 ولادة في 2006، والوفيات كثيرة، ونصيب الذكور على نحو خاص. فيموت رجل من ثلاثة في سن بين العشرين والستين. ويرهص هذا بتناقص عدد السكان تناقصاً حاداً إذا لم يعالج الأمر. ويبلغ، اليوم، حظ الرجال (الذكور) في الحياة 61.4 سنة، نظير 73 سنة في حال النساء. وكان الحظ هذا 63.8 في المئة في الستينات من القرن الماضي (نظير 73 سنة في البلدان المتقدمة)، ويعزى متوسط الوفيات المفرط هذا الى عوامل اجتماعية واقتصادية غير مؤاتية. وتؤدي العادات المدمرة، مثل الكحول والتبغ والتغذية غير المناسبة، دوراً بارزاً في تردي حظوظ الرجال الروس في الحياة عن مثيلها في بلدان فقيرة، شأن بنغلادش. والرعاية الصحية، ووسائلها، قاصرة. وبلغ ما خصصته روسيا لشؤون الصحة، في 2007، 4.2 في المئة من ناتجها الإجمالي الداخلي، نظير 8 الى 10 في المئة في البلدان الغربية. ونجم عن العوامل هذه تقلص عدد السكان من 148.9 مليون روسي، في أوائل 1993، الى 141.9 في نيسان (ابريل) 2009، على حسب تقدير لجنة الدولة للإحصاء (روسستات). وعلى خلاف فكرة رائجة، لم يكن ابتداء التردي هذا في مطلع سنوات الانتقال الاقتصادي والسياسي، اي اوائل التسعينات. فالبلد لا يسهم في انخفاض متوسط الوفيات منذ 40 عاماً أو أكثر. فالهرم المبكر وتغير قسمة شرائح السن يؤديان الى أفول ثابت. ويخالف هذا طموح الكرملين الى تبوؤ روسيا مكانة أولى بين القوى الاقتصادية العالمية. ولم يغفل بوتين عن الأمر. فوصفه، في 2006، ب «المسألة الخطيرة». وحضّت سياسة الدولة النساء على الإنجاب. فزادت التعويضات العائلية ضعفين. وبلغت «منحة الأمومة»، عند ولادة الولد الثاني، 325 الف روبل (7386 يورو). والحق ان الإجراءات هذه كانت مجدية، فزادت نسبة الولادات في الفصل الأول من 2009، قياساً بنظيره في 2008، نحو 4 في المئة. ولكن الزيادة هذه، للأسف، موقتة وعابرة. ومردها الى «روزنامة» الولادات وليس الى خصوبة النساء. فأجيال النساء المنجبات قليلة العدد. وينبغي التعويل، في سبيل عكس نازع الأفول، على «سياسة واقعية» من وجوهها وعناصرها الهجرة. ولكن عداء السكان الروس للهماجرين، والافتقار الى إجماع على الهجرة، يحولان دون التوسل بها الى تعويض الضمور السكاني، ويستهين السياسيون بمعالجة الأفول ويحسبون العلاج يسيراً. فتتوقع «رؤية السياسة الديموغرافية»، وهي صيغت في 2009، بلوغ متوسط الحظ في الحياة 75 عاماً للجنسين على حد سواء. وهذا على نقيض توقع لجنة الإحصاء خسارة روسيا في الأعوام ال17 القادمة (2008 - 2225) 11 مليوناً من سكانها: 463 ألفاً في 2010، و600 ألف في 2017، و800 ألف في 2025. ما يبث البرد في الصدر. * مدير معهد دراسة السكان في موسكو، عن موقع www.ifri.org 15/7/2009، إعداد و. ش.