أسماء شابة عربية متخصصة في التسويق. كانت تعمل في شركة صغيرة الحجم، وتتولى الإنفاق على أسرتها المكونة من أمها وإخوتها الثلاثة، وتعيش حياة مفعمة. لكن زيادة متطلبات الحياة، وتردي الظروف الاقتصادية في بلدها أثّرا في دخلها. قررت أسماء ان تبحث عن فرصة عمل في الخارج لتحسين وضعها المادي، والنهوض بحياة الأسرة. جربت الشابة الطموحة حظها في الخليج. التحقت أسماء بشركة كبيرة في إحدى دول الخليج وبمرتب مغر. وخلال فترة قصيرة صارت أسماء شخصية لامعة في محيطها، وتغير أسلوب حياتها. امتلكت سيارة فارهة، وشقة فخمة، وحساباً في البنك، وعلاقات محترمة وواسعة. لكنها فقدت توازنها. تغربت. اختفت فرحتها التلقائية، ودهشتها البريئة، وفقدت عواطفها، وروحها القديمة، وتوارت أمنياتها الصغيرة. صارت حياتها خطوات نحو أفق لا تراه، أضحت، مثل رهينة في ايدي خاطفين، أو مناضل أوقعه خائن في كمين. لم تعد أسماء هي أسماء، أصبحت أيامها حلوة ومثيرة، ومرّة ومقلقة في آن، على رغم أنها تعيش حياة جادة، ومزدحمة بالنجاح، والمنافسة الإيجابية والتفوق والمال والطموح. بدأت أسماء تشعر أن ظلها اصبح اكبر منها. ولأنها بنت جادة وأصيلة ومقاتلة بدأت تشعر بالخوف من ظلها الذي يكبرها، فدخلت في صراع بين ظلها وشخصيتها، صراع بين «هي» وظلها. واستعرت الحرب المريرة. صار ظلها يتضخم، يحيط بها من كل الجهات، ويسبقها على الدوام، وهي تجاهد للحاق به ولجم حجمه. موحش أن يكون ظلك اكبر منك. موجع ان تعيش حياة تضخم ظلك وهي لا ترضيك، ولا تسرّك. مقلق ان تملك كل الأشياء وتفقد بساطة الحياة ومعناها. هكذا بدأت تشعر أسماء. قررت أسماء حسم المعركة التي في داخلها. ذهبت الى الصحراء وبدأت تحفر قبراً لدفن ظلها والخلاص منه. بدأت تحفر، وكلما زاد عمق القبر، كان ظلها يميل مع حركة جسمها، ويبتعد عن القبر، وهي تغوص في الحفرة. دفنت أسماء نفسها وهي تسعى الى دفن ظلها. بصعوبة استطاعت ان تخرج من قبرها. تركت أسماء كل حياتها في الخليج، وعادت الى بلدها. لكنها، اكتشفت انها أصبحت إنساناً بلا ظل. أسماء يمكن ان تكون إنساناً، أو مدينة، أو دولة، أو حزباً.