الإحساس والثقافة هما المدخل لتحقيق الترابط بين القيم الجمالية للصورة... عندما تتوافر آلة تصوير جيدة بين يدي فنان موهوب يعرف كيف يختار موضوعه ويوجه عدسته بزاوية رؤية مناسبة ومدروسة لاختيار اللقطة بالضغط على زر الكاميرا وتثبيت الزمن. إنها فترة من 1 إلى 24 ثانية، تتحول فيها اللقطة الى ضرب من التماس الوجداني، إذ يخلع الفنان ذاته على الظواهر التي يحاول تفسيرها فيجعل منها نقطة انطلاق لتنكشف ظواهر المعرفة تدريجاً... ونجد الصورة الفنية قد انبثقت في كلية وشمول من خلال نفسية الفنان. «1:24 ثانية» هو عنوان معرض الفنانة المصرية - القطرية الشابة هدير عمر، الذي افتتح أخيراً في قاعة «إشراقة» في «مجمع الفنون التشكيلية» في الاسكندرية. و1:24 ثانية، وهي الفترة التي تستغرقها فتح عدسة الكاميرا وغلقها. هدير فنانة شابة شاركت في معارض محلية ودولية وحازت جوائز، وهي تعتبر الفن بكل أنواعه وأشكاله رسالة قد يختلف أسلوبها بين التشكيل والخط والزخرفة والنحت والتصوير، ولكن يبقى الهدف واحد وهو إيصال رسالة الفنان إلى المتلقي. أما فكرة هدير عن الفوتوغرافيا فليست مجرد صورة، إنها تجربة ومعايشة كاملة لأماكن زارتها الفنانة واحتفظت بذكراها عن طريق الكاميرا. وتميزت هدير بأعمالها ذات الطابع الخاص، إذ تمتلئ بالتفاصيل التي تجعل المتلقي يتفاعل مع الصورة، إما من خلال الأفكار التي أضافتها أو من خلال طريقة العرض ذاتها. وطريقة العرض عبارة عن التقاط الجزء الذي يشكل العنصر الرئيسي في الصورة (في الفترة من 1 إلى 24 ثانية)، والذي من خلاله يتم توصيل الرسالة المطلوبة من العمل الفني إلى المتلقي في شكل واضح، وإعادة صياغته مجدداً من خلال وضعه في إطار غير تقليدي. ووضعت هذه القيم أمام عين المتلقي برؤيتها الخاصة، «فالكاميرا مجرد أداة مكملة ليس إلا، ولا يهم إن كان فيها إمكانات حديثة أم لا، وإنما عين الفنان هي الأداة الحقيقية والتي يضع عليها كل أمله وطاقته». وتقول هدير: «أن ترى أفضل ألف مرة من أن تسمع، والفنان الموهوب هو الذي يستطيع أن يعرف متى يقرن ويربط ويجمع ويفرز بين مجموعة الأشياء أو الأحداث أو التأثيرات ضمن إطار واحد يحسبها المتلقي للوهلة الأولى أكثر من صورة مدمجة. إنها عيون الإحساس، عيون التجربة التراكمية التي تغني مخيلة الفنان المصور الذي يجب أن يفكر قبل أن يصور ويكون سريع البديهة إلى حد الحدس العالي». ومن الأعمال التي قدمتها الفنانة صورة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش مكتوب عليها «السجن للص». إذ أحضرت الصورة من الولاياتالمتحدة ووضعت أمامها سوراً وهي تعبر عن كراهية الأميركيين أنفسهم لبوش. وضعت أيضاً قصاصات من جرائد تبدو متساقطة من اللوحة مكتوب عليها الأعمال الوحشية التي قادها بوش ضد الكثير من الأبرياء. «حتى الأميركيين أنفسهم يكرهون الاضطهاد الذي يعامل به الآخرون ويعاملهم به»، تقول هدير. ويقول الفنان سعيد عبد القادر تعقيباً على المعرض: «أخذت الفنانة الكثير من اللقطات الفريدة وأعادت صياغتها بطريقة الكولاج وبطرق فنية أخرى. إذ كانت تعيش في الولاياتالمتحدة حيث جابت كل صالات العرض الفنية هناك والتقطت بعينها مشاهد ولقطات غاية في التميز، خصوصاً في أساليب عرض اللوحات التي لا ترتبط بالإطار التقليدي لعرض اللوحات التشكيلية». ويؤكد عبد القادر أن «صغر سن هدير لا يمنعها من ان تتمتع بموهبة كبيرة، إذ قطعت اللوحات إلى بضعة أجزاء وجمعتها مرة أخرى على طبقات مختلفة، ومن هذه اللقطات لقطة لأمواج البحر في كل أطوارها. فعملت بانوراما في شريحة طولها متران، وهي تبين مراحل مد موجة البحر، وذلك كله من خلال 1:24 ثانية هي الفترة بين فتح عدسة الكاميرا وغلقها».