سندرا نشأت مخرجة من جيل الشباب، لفتت الأنظار منذ أول أفلامها «ملاكي إسكندرية» بحرفتها وأسلوبها الخاص، الذي يستند إلى الغموض والملاحقة والتشويق. وهذه المرة تمكّنت المخرجة الشابة بفيلمها «المصلحة» والمعروض حالياً بنجاح في الصالات المصرية، من إعادة الجمهور إلى السينما، واستقطابه على وجه الخصوص بعيداً إلى حدّ ما، من أفلام الهزل والسخف المطروحة على الساحة. تتلاحق الأحداث في «المصلحة»، بين إيقاع حيوي وإيقاع لاهث بخاصة في المعارك التي يصيغها بمهارة المؤلّف محمد حافظ، ما يطبع الفيلم بطابع هوليوودي. بخاصة أن البطولة في الفيلم معقودة بتفرّد «هوليووديّ» هو الآخر لضابط شاب (أحمد السقا) في مواجهة بطل من البدو يتزعم عصابة للإتجار في المخدرات (أحمد عز). على مدار الأحداث تدور المعارك بينهما، وتشارك فيها معدات ثقيلة من طائرات وعربات مصفحة وفرق مدربة فيسقط ضحايا من الجانبين. ويلاحظ منذ البداية أن «المجموعة الفنية المتحدة» (الجهة المنتجة) قد وفّرت للفيلم، بمساندة كبيرة من وزارة الداخلية، كل المتطلبات الإنتاجية لتصوير المعارك الضارية والجهود المضنية التي تبذلها قوات مكافحة المخدرات، كما يعدّ إسناد أدوار البطولة إلى نجمين لامعين (السقا وعز) من أهم أسباب نجاح الفيلم جماهيرياً. إنسانية رجل الشرطة ولعل ما يجدر التوقف عنده هنا استمرار تعبير أحمد السقا عن عشقه لعب شخصية رجل الأمن على مدار مسيرته، إضافة لأحمد عز الذي يجسد دوراً جديداً تماماً كبدوي يتزعم عصابة. لقد منح دعم الداخلية الفيلم صدقية، والأهم أنها حققت هدفاً محدداً، هو استخدام فن السينما، في محاولة تحويل اتجاهات الشعب نحو رجل الأمن، والذي سقطت عنه هيبته لامتثاله لأوامر عليا، مفادها أن يتخلى عن دوره في تأمين المواطنين وحماية المنشآت، فضلاً عن ممارسة العنف ضد المتظاهرين العزل. في فيلم «المصلحة» أعاد كاتب السيناريو وائل عبدالله رسم ملامح ضابط الشرطة، فأضفى عليه مسحة إنسانية، وخصّه بسمات من النبل، الفداء والإقدام، صور معاناته وأحزانه، في مشاهد ميلودرامية مؤثرة، تثير العواطف وتسيل الدموع. ظهر حمزة في دور الضابط الذي يتفانى في أداء المهام المكلف بها، ما دعا زوجته الشابة إلى الشعور بالوحدة وفي ليلة عرس شقيقه الأصغر (يحيى) وهو أيضاً ضابط شرطة، يتلقى حمزة الأوامر بالخروج مع فرقته لضبط حقول «البانجو» في قلب سيناء، فيطيع الأوامر، وكان له أن يعتذر عنها، وهنا يؤخذ على المخرجة الاستطراد في مشهد الفرح. بعد ذلك تشتبك فرقة المكافحة مع أفراد العصابة، فتواجه الأولى مقاومة لا يستهان بها، ويتسلل حمزة بين الشعاب فيواجه صبياً من البدو لكنه، في لفتة إنسانية لا يتعامل معه بل يتركه لاحقاً بأهله. وتتحول المعركة بين القطبين إلى ثأر شخصي، حين يتصادف أن تخترق سيارة يقودها شقيق رئيس العصابة وهو تحت تأثير المخدر وبرفقة فتاته (زينة) ساتراً أمنياً على طريق شرم الشيخ، ويتم تبادل إطلاق النار، فيسقط الضابط الشاب (يحيى) صريعاً، ولم تمر على عرسه بضعة أسابيع. وتكتمل دائرة التعاطف مع الشرطة في مشهد مهيب تنخلع له القلوب وتفيض الدموع، إذ يشيع جثمان الضابط الشاب ونشاهد حمزة وهو يحمل نعش أخيه، ويعاهده على الثأر من قاتله، بينما ظهرت الأم (نهال عنبر) في حالة انهيار تساندها سيدات العائلة. مسارات الأحداث ومن هنا، تتشعب الأحداث إلى ثلاثة مسارات، (وذلك يحدث، طبعاً، في الأفلام فقط) فيتم إخفاء القاتل في جب بقلب الصحراء، ويسافر رئيس العصابة إلى بيروت، لجلب شحنة كبيرة من المخدرات، ويكرس الفيلم للبطل الخارق، فيقوم الضابط (حمزة) منفرداً بتقصي الحقائق، بحثاً عن مخبأ قاتل شقيقه، والتحري عن موعد تسليم شحنة المخدرات ومكانه، وتكلل جهوده بالنجاح، حين يدور رحى معركة بحرية، ويتم تبادل النيران بكثافة في عرض البحر ويتم ضبط الشحنة والقبض على سالم. وفي الختام، يقف (السقا وعز) بطلا الفيلم جنباً إلى جنب في قفص الاتهام، بعد أن تخلى الضابط عن حرفيته، وفي لحظة ضعف إنساني أطلق النار على قاتل أخيه وفاء للعهد. حقيقة الأمر أنه كان يحق للهيئات أن تستخدم السينما في تحسين صورة كوادرها، والإعلام عن خطورة المهام المكلفة بها، ولكن، في تقديري، لا يحق لصناع الأفلام أن يغفلوا عن تقدير الروابط القومية والأبعاد التاريخية، إذ لا يغفل المطلعون عن تقدير الأداء البطولي لبدو سيناء، أثناء حربي 67 و73 ودورهم في تقديم الإمدادات لأفراد الجيش ورعاية الجرحى وتأمين إيوائهم في كهوف في الجبال، ولا يغفل أيضاً الجميع عن أن بدو سيناء جزء من لحمة مصر وهم حماتها وحراسها ومن ثم كان يتعين لصناع فيلم «المصلحة» أن ينسجوا في السرد لمحات من الكرم والشهامة لبدو سيناء، كما لا يحق لصناع الفيلم أن يدمغوا فتاة بدوية بممارسات منحرفة عن التقاليد والأخلاق للمجتمع البدوي العريق وبذلك تصبح عصابة سالم استثناء من القاعدة.