في مواقف نتعرض لها، ينجلي كل شيء، فتتوارى الإنسانية خجلاً مما نشاهده من سقطات وعار يتلبس البعض، لكن هذا البعض، ومع كل أسف، لا يتوارى عن فضائحه، بل يماري بها، ويستعرضها كبطولات، فنحن كنا ولازلنا نؤمن بأن المسلمات كثيرة، ومن ضمنها احترام الأموات، هكذا تمت تربيتنا، وهكذا تعلمنا، وهكذا نعيش، وهكذا نفعل احتراماً للإنسانية التي يتشدق بها البعض، بغض النظر عن هوية الميت أو عن مركزه الاجتماعي مهما تدنى، فكيف إذا كان علماً عمل طوال عمره على خدمة الإسلام والمسلمين، وجعل من نفسه وأبنائه فداءً لوطنه ومواطنيه؟ الأخلاق إن ذهبت يصعب تعويضها، ومثل إيران وأتباعها ممن ضربت عليهم الذلة تبرز هذه الحال بوضوح، فهم يدّعون الفضيلة ويمارسون الرذيلة، يدّعون الأخلاق ويمارسون العهر، يدّعون الحق ويمارسون الباطل، يدّعون الإسلام ويمارسون الكفر، يدّعون أنهم بشر ويتعاملون كأدنى المخلوقات، أمة عجيبة تعيش على المتناقضات بين القول والعمل، لذلك لم يكن مستغرباً خروجهم واحتفاليتهم بفقدنا أحد أركان هذه الدولة وباني أمنها واستقرارها، من هذه الزاوية بخلاف الزوايا الأخرى، يتضح لنا مَنْ هو نايف بن عبد العزيز «رحمه الله»، ويتضح لنا امتداد تأثيره وثقله وقوته، ترى لو لم يكن الراحل مخلصاً في عمله لخدمة أمته ووطنه، هل كانت إيران لتحتفل بتوزيع الحلوى والمكسرات على مشرديها؟ الموقف الإيراني جسد الدونية التي يعيش فيها نظامه، وأنهم مجموعة من الرعاع المجردة من الأحاسيس الإنسانية وجدت نفسها غير قادرة على التعايش مع البشر، والدليل على ذلك ممارسة طقوسهم الشاذة وشرعنتها، بل وفرضها على الشارع الإيراني، وذلك الذي يتبع لها منتفعاً، بأسلوب لا تملك إلا أن تقابله باحتقار وتقزز. تلك إيران المطورة، المتحضرة، المتمدنة، التي تدعي التاريخ والفضيلة، وإذا كانت بالنسبة لنا إيران كالكتاب المفتوح، تمت قراءته عشرات المرات، فإن بيننا من هو أدنى درجة من إيران، وأوطى خلقاً، منها، وأكثر تبعية لها من الشيطان نفسه، هؤلاء هم العار الذين نرفض أن يعيشوا بيننا، لم يراعوا بدورهم حرمة الموت، ولم يراعوا أنهم يأكلون من خير هذا الوطن، وقاموا بما قاموا به وسط أعين أغمضت، وشفاه أخرست لعلماء لهم لوت أعناقها عن ذلك الانتهاك الصارخ لكل الأعراف الدينية التي يرفعون، والأدبية التي يتشدقون، والحقوقية التي ينادون، وأخيراً المواطنة التي يدعون. «جزى الله الشدائد كل خير»، هذا ما نقوله في هذا المصاب، فهي أسقطت أقنعة عن وجوه قبيحة، وزادت قبحاً لوجوه أخرى، ولم تكتفِ بإسقاط أقنعة من تبقى، بل عرتهم جميعاً وانكشفت عوراتهم واحداً تلو الآخر. لكن هناك أمراً مهماً فات على ذلك القطيع، أن نايف بن عبدالعزيز لم يكن شخصاً عادياً، بل كان دولة في رجل، وكان منهجاً، فإن غاب جسده، صورته ستبقى حاضرة في قلوبنا، وإن غاب صوته، سيبقى في أذاننا، أما عمله فلن يغيب وسيبقى خالداً نعيشه كل يوم، وستثبت الأيام أن من يمني نفسه بالفوضى لفقدان ذلك الرمز، سواء داخل البلاد أو خارجها، سيكتشف سريعاً حجم ضلاله، فخلفه في وزارة الداخلية أحمد بن عبدالعزيز لا يقل حنكة ولا تنقصه الدراية، فهو من المدرسة ذاتها التي تخرج فيها الراحل «رحمه الله». أما ولاية العهد، فهي شأن مختلف، خلفه سلمان بن عبدالعزيز، ومن لا يعرف سلمان، ذلك الرجل الذي عاد إلى القصر الذي ولد فيه حاكماً له بعد 19 عاماً فقط، وحوَّل الصحراء إلى واحة، صديق الجميع وأب الجميع، وأخ الجميع، جميعنا يعلم من سلمان الذي نبايعه اليوم، ولا نملك في هذا اليوم إلا أن نرد له الدين ونقول: اللهم إني بايعت سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد،اللهم أعنه في حمل الأمانة، واجعله خير خلف لخير سلف، اللهم وفقه الصواب والسداد في الرأي. [email protected] @Saud_alrayes