في سورية أعمال قتل يقوم بها سوريون ضحاياها من السوريين. في سورية يقتل السوري سورياً. سوري يقتل جاره وأخاه ومواطنه وابن قريته وقريبه. وقد بلغ عدد القتلى حتى اليوم أكثر من عشرين ألفاً. ويزيد عدد الجرحى عن مئة ألف. والمعتقلون أكثر بكثير. لو حاول شخص ما، أو حزب أو سلطة أو فئة أو طائفة ما في دولة غربية ما، أن يجمع في تلك الدولة مئة شخص يمكنهم أن يقتلوا مواطنين من البلد نفسه. فهل سيكون هذا ممكناً أو قابلاً للحدوث؟ وهل يمكن أي شخص أو كيان ما في أي دولة غربية أن يجمع عشرة أشخاص فقط يقبلون بأن يقوموا بأعمال قتل ضد مواطنين في تلك الدولة؟ منذ بضعة أشهر قام رجل بمفرده بارتكاب جريمة قتل في منتزه في دولة أوروبية. لكنه لم يستطع أن يقنع شخصاً واحداً غيره بأن يتعاون معه في تلك الجريمة. في الحروب التي شنتها دول غربية على دول عربية وإسلامية، ومن قبل في الفترة الاستعمارية، قام الغربي بقتل مواطنين من أبناء هذه الدول. وفي الحربين العالميتين كان الفرنسي يقتل الألماني، والألماني يقتل الروسي. وفي عصرنا هذا تطورت الدول كلها. وأصبح للإنسان المواطن قيمة عظيمة داخل دولته. فالصهاينة حشدوا العالم كله لأجل تحرير جندي صهيوني واحد كان معتقلاً في غزة. لأن بيننا أعداداً كبيرة من السوريين يقومون بقتل سوريين آخرين في هذا العصر الحديث، فنحن نعتبر اليوم أسوأ شعب في العالم كله. لقد مضى على الثورة السورية حوالى خمسة عشر شهراً، استمر القتل طوال هذه المدة ولم يتوصل هؤلاء القتلة إلى إدراك خطر جرائمهم. ولم يدركوا بعد أنه من الخطأ أن يقتلوا سوريين من أبناء جلدتهم. وهذا يعظّم الأمراض الفكرية والثقافية والاجتماعية في سورية. يتناقل المسلمون السنة حديثاً ينسب للنبي العظيم يقول فيه «دم المسلم على المسلم حرام». لكن السوريين الذين يزيد عددهم عن خمسة وعشرين مليوناً لم يدركوا بعد أن دم السوري على السوري خطر ومحظور. إننا بفضل سوء تربيتنا السابقة، أمكن بعضنا هنا في سورية أن يقتل سورياً، بل سوريين، وإننا بحاجة لأن نعيد التربية السورية على أسس جديدة تحظر وتحرم قتل السوري. وأعتقد بأن هذا المشروع التربوي كبير للغاية، ولن يتحقق تماماً قبل بضعة عقود. لقد كتب ديكارت عبارة صغيرة من خمس كلمات، كتبها في ثوان. لكنه فكر ربما لسنوات قبل أن يكتشفها. فقال: «يجب أن نمسح الطاولة تماماً». إننا بحاجة لأن نمسح الطاولة تماماً. وإنه لا بد من مسح هذه الطاولة التي تربينا جميعاً، الجد والأب والابن والحفيد، على أسسها التربوية فأصبحنا (كشعب سوري عموماً) أسوأ شعب في العالم. لكن بيننا والحق يقال ملايين من السوريين يدركون خطر التربية التي تسمح بالقتل. وهؤلاء لم ولن تتلوث أيديهم بنقطة دم واحدة. يمكنني أن أخاطب السوريين فأدعو كل سوري لأن يتحلى بأخلاق إنسانية وحضارية. وأدعو الفريقين، فريق السلطة وفريق المعارضة، فأقول لهما: من أراد أن تتطور سورية ومن كان حريصاً على البلد فعلاً وعلى سلامة الوطن وأمنه، فليثبت لنفسه ولنا بأنه قابل للتحضر، وليهذب أخلاقه فعلياً ويتوقف عن القتل أو دعم القتل. ولنتذكر بأن أعمال القتل هذه جعلتنا أسوأ شعب في العالم.