بعد عامين فقط من فوز الحزب الديموقراطي المتطرف في الانتخابات السويدية محرزاً المرتبة الثالثة بين الأحزاب الأكثر شعبية في البلد بعد حزبي الديموقراطي الاشتراكي والمحافظين، وهو المعروف بعدائه المعلن للمهاجرين، ارتفع رصيده مشكلاً صدمة للمجتمع والحكومة السويديين. النتيجة التي أظهرها آخر الاحصاءات السويدية، تباينت الآراء حولها. فهناك من اعتبر الأمر ناقوس خطر للمهاجرين وما يثيره من قلق حول زيادة شعبية اليمين، وعلى العكس من ذلك، اعتبر آخرون ذلك «بشرى خير» لمصلحة الاحزاب اليسارية العلمانية. ووفقاً لنتائج استطلاع مؤسسة «يونايتد مايندس – United Minds» السويدية للتحليل والخطط الاستراتيجية، ارتفعت شعبية «ديموقراطيي» السويد الى 8,7 في المئة وبزيادة قدرها 2,3 عن الاحصائية السابقة. وهي زيادة انفرجت لها أسارير الحزب وقادته الشباب. مقابل ذلك تراجعت كتلة «اليمين الوسط» الحاكمة التي يتصدرها حزب المحافظين، فيما زادت شعبية كتلة «الخضر الحمر» التي يتصدرها الحزب الديموقراطي الاشتراكي وهو حزب يساري علماني. الناشط السياسي محسن شريدة، يقرأ نتائج الاستطلاع على انها «انعكاس لصراع حقيقي بين القوى الديموقراطية المتمثلة باليسار في السويد والذي تعزز بفوز نظيره الفرنسي، ما ادى الى نشوء قلق اوروبي على المستوى الحكومي والشعبي من العدوى التي قد يخلفها هذا الفوز على بقية الدول الاوروبية وبخاصة السويد». ويقول شريدة، وهو ايضاً منسق الشرق الاوسط لمكتب السلام الدولي، في حديث الى «الحياة» ان حزمة امور وأحداث تقف وراء صعود اليمين المتطرف في اوروبا وليس في السويد فحسب، بعضها قد لا يكون محسوساً او معاشاً في اوروبا، تؤثر تأثيراً كبيراً في المجتمعات الاوربية. ويوضح شريدة ان التغيرات الحاصلة في عدد من الدول العربية او ما يطلق عليه البعض ب «الربيع العربي» وخروجه بنتائج معاكسة للمتوقع منه، احد اهم الاسباب التي تدعم الاحزاب اليمينية المتطرفة، ليس في السويد فحسب، بل في اوروبا عموماً. وفور اعلان النتائج، علق رئيس حزب ديموقراطيي السويد جيمي اوكسون، قائلاً: «هدفنا ان نكون ثالث اكبر الاحزاب في السويد في انتخابات 2014. وذلك ما سنسعى اليه». إلا ان المفاجأة الحقيقية التي خرجت بها نتائج الاستطلاع تتمثل في ان حزب المتطرفين، وعلى رغم تجربته الحديثة في البرلمان، حقق مركزه الثالث، منافساً بذلك اكبر وأعرق حزبين في السويد، هما الحزب الديموقراطي الاشتراكي وحزب المحافظين (يمين الوسط) الذي يقود الحكومة، وخرج حزب البيئة ذو الشعبية الواسعة من المركز الثالث الذي لطالما حافظ عليه. أسباب معلنة... ومن بين أهم الأسباب المعلنة التي أدت الى ارتفاع حظوظ اليمين المتطرف وصعوده، هو برنامج تلفزيوني سويدي، كشف الازدواجية التي يتصرف ويتحدث بها أئمة المساجد في السويد، في طريقة تقديمهم المشورة للنساء المسلمات، بما يعارض القوانين والانظمة السويدية في شكل صارخ، اضافة الى حديث رئيس الحكومة السويدية فريدريك راينفيلدت (من حزب المحافظين) عن ان نسبة البطالة بين المهاجرين اكثر مما هي عليه بين السويديين الاصليين. وأثار برنامج تلفزيوني سويدي استقصائي، عرض قبل أيام، حول دور أئمة المساجد في السويد، جدلاً واسعاً، اذ جرى تصوير أئمة عشرة مساجد، بالصورة والصوت، بواسطة سيدتين تنكرتا بزي منقبتين، وقد اخفتا كاميرا في نقابيهما. وطرحت السيدتان الاسئلة نفسها على أئمة المساجد العشرة، وتركزت على تعدد الزوجات وكيف تتصرف النساء المسلمات في حال تعرضن للضرب والعنف وهل عليهن تلبية رغبات ازواجهن الجنسية في حال عدم رغبتهن في ذلك؟ وقد قصمت إجابات معظم الأئمة ظهر القوانين السويدية، ما دفع الحكومة السويدية الى مراجعة قراراتها في شأن المعونات المادية التي تقدمها للمساجد، اذ كانت معظم الاجابات ان للرجل المسلم حق الزواج بأربعة، وانه في حال اساء الى زوجته وضربها، فإن عليها طلب الغفران والمعذرة منه وعدم ابلاغ الشرطة مطلقاً، كما عليها عدم الامتناع عن تلبية رغبات زوجها إلا في حال المرض! كما ان راينفيلدت الذي اثار تصريح ادلى به في معرض اجابته عن سؤال حول البطالة في السويد، انتقاداً حاداً من الصحافة السويدية اليقظة دائماً، منتقدة اياه على تهربه من الاعتراف بفشله في التصدي للمشكلة، قال ان «البطالة منخفضة بين الاشخاص متوسطي العمر من الاثنية السويدية، في حين ترتفع بين المهاجرين»، وهو ما يتذرع به حزب ديموقراطيي السويد دائماً في عدائه للاجانب. ويرى الناشط السياسي فليح الصالح ان «كثرة المساجد في السويد واللقاءات الخاصة التي تعقد في معظمها وما يدور في تلك الاجتماعات من احاديث، تخلق رد فعل جدياً لدى الطرف الآخر»، موضحاً ان عدم الحديث عن ذلك من جانب الحكومة السويدية لا يعني عدم معرفتها به. ويرى الصالح في حديث الى «الحياة» ان العلمانية والانفتاح على جميع الثقافات هي ابرز ما تتميز به السويد، شعبياً وحكومياً، لذلك فإن مثل هذه الامور تشعرهم بالخطر وتوترهم الى حد كبير. أسباب غير معلنة ويوضح الصالح ان «معظم هذه المساجد تحولت منابر معادية، لا للعلمانية وأفكارها فحسب، بل حتى للاسلام نفسه، كون الاسلام المعتدل لا يرضى بمخالفة قوانين الدولة المضيفة، بخاصة اذا كانت السويد، التي تعتبر ساحة ديموقراطية علمانية». ويتفق شريدة والصالح على ان الفتاوى الدينية التي تصدر عن رجال دين في عدد من البلدان العربية، وبالأخص تلك التي تعيش تحولات وتغيرات سياسية واجتماعية ودور الماكينة الاعلامية النشطة في متابعة ذلك ونقلها الى اصقاع العالم، زادت من مخاوف المجتمعات الغربية من انتقال عدوى تلك الفتاوى الى بلدانها من طريق المهاجرين. ويوضح شريدة ان هناك معادين للعلمانية، مستشهداً بالفتوى التي صدرت قبل ايام عن الشيخ الحائري وهو إمام شيعي في النجف بالعراق، حرم بموجبها التصويت لمصلحة العلمانيين، اضافة الى التصريحات التي يطلقها بين الحين والآخر نواب الاحزاب الاسلامية في مصر وتونس. ويبين الصالح ان الكثير من المهاجرين من اصول شرقية، وبالاخص من الذين يجدون صعوبة في الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، يعبرون عن رفضهم لوضعهم الجديد، والهروب منه، بالتزام مثل تلك الفتاوى التي تلقى الدعم ايضاً من أئمة المساجد في الغرب، ما ينعكس بدوره على المجتمعات الاوروبية ويخلق لديها رد فعل معاكساً، يحفز اليمين المتطرف على استثماره. ويوضح شريدة ان «ظاهرة الاسلام السياسي، خلقت ردود فعل في اوروبا، لخوف مجتمعاتها من تلك الأطروحات وقلقها من انتقال العدوى في شكلها النظري او الفعلي اليها». أزمة اقتصادية... ويرتكز حزب ديموقراطيي السويد في معاداته للأجانب وفي سعيه لتوسيع قاعدته الجماهيرية الى الازمة الاقتصادية التي تمر بها السويد وعموم اوروبا والبطالة المنتشرة بين صفوف الاجانب، والحديث الدائم عن ان ما تصرفه السويد من مبالغ على المهاجرين اكثر بكثير من الفائدة التي تعود منهم، ومثل هذه الامور يلقى استجابة سريعة لدى الشارع السويدي، الذي يعاني من ركود في سوق العمل. ويدحض شريدة الأحاديث التي يروج لها حزب «ديموقراطيي السويد» في شأن المهاجرين والمبالغ التي تصرف عليهم من قبل الحكومة، اذ يقول «هذا غير واقعي، لأن اللاجئين في الغالب من حملة الشهادات وكلفة دخولهم سوق العمل تدر لاحقاً أكثر مما يصرف عليهم، الا ان القضية تتم قولبتها سياسياً». استفاد حزب ديموقراطيي السويد ايضاً من الصراعات الطائفية والمذهبية التي تعيشها بعض البلدان العربية، ما ساعده على تجنيد البعض من مواطنيها للعمل لمصلحته، كما حصل في حملته الدعائية في الانتخابات الماضية. ولا يتخوف شريدة من صعود اليمين المتطرف، بل بالعكس يجده وعلى مدى غير بعيد، عاملاً مساعداً في خلق تكتل جديد اكثر يسارية، بخاصة بعد فوز اليسار الفرنسي، مراهناً على العلمانية والاعتدال اللذين يتمتع بهما السويديون في تصديهم لظاهرة اليمين المتطرف.