في هذه الايام، كانت ترغب القيادة الاسرائيلية، من سياسيين وعسكريين، الحديث عن حرب الايام الستة، وعن تفاخرها وانتصاراتها فيها، لكن قرار نشر وثائق ومستندات وصور جديدة عن حرب لبنان الاولى وكشف اسرار هذه الحرب وفضائحها، اعاد الى اجندة الاسرائيليين النقاش حول هذه الحرب، التي اعتبرها الاسرائيليون بغالبيتهم الساحقة، حربا لا حاجة لها، فيما لم يتطرق احد الى حرب الايام الستة، التي اعتاد الاسرائيليون على تحويل ذكراها في كل سنة الى منصة مفخرة لهم. اليوم وبعد ثلاثين عاماً، قرر الجيش الاسرائيلي، ان يتعلم الدرس من هذه الحرب، فيكشف، وللمرة الأولى، وثائق ومقابلات ونقاشات تم تدوينها انذاك وبقيت سرية، لما تكشفه من فضائح حول ادارة الحرب وأهدافها ومداها وتكتيكها، والخلافات بين القيادات السياسية والعسكرية، حيث كشف انها كانت عميقة منذ الساعات الاولى للحرب وحتى يومها الاخير. وفي هذه الوثائق، التي كشفها الجيش ضمن فيلم خاص عن الحرب، يظهر كيف أخفى وزير الدفاع انذاك، ارييل شارون، حقيقة ما يدور في لبنان، عن رئيس الحكومة مناحيم بيغن، خصوصاً سقوط ستة جنود اسرائيليين في عملية احتلال قلعة الشقيف. وذكر ان بيغن وصل الى الموقع بعد احتلاله من دون ان يعرف التفاصيل. وهذا الجانب، بحسب الوثائق الاسرائيلية، جعل الحرب موضع خلاف داخل اسرائيل. ومما جاء حول الخلافات أن السكرتير الشخصي لبيغن اتهم شارون ب"تضليل بيغن"، حيث وعده عند انطلاق الحرب بتنفيذ حملة محدودة لا تتعدى الأربعين كيلومترا في العمق اللبناني، علما انه كان يخطط للوصول الى بيروت، كما ذكر سكرتير بيغن. وتبين أن القوات الدولية لم تتحمس لاجتياز الجيش الاسرائيلي الحدود الدولية، لكنها في الوقت نفسه لم تبد اية مقاومة او معارضة فعلية. العمليات القتالية، بحسب الوثائق وما تضمنه الفيلم، نفذت تدريجاً من دون تخطيط او هدف... أو حتى تصور للهدف النهائي للحرب. ويتضمن الفيلم مشاهد للقصف الإسرائيلي للبنان، وحركة القوات والوحدات الإسرائيلية المختلفة وتوثيق للعمليات الحربية في العمق اللبناني. وتخللته في الوقت ذاته انتقادات لكون العمليات القتالية كانت تدريجية من دون أن يكون أمام الجيش والمسؤولين تصوراً للهدف النهائي للحرب. واعترف مسؤولون: "لو كانت هذه الأهداف معروفة مسبقاً لاختلف سير الحرب كليا". وكما هو متوقع فقد تجاهل الجيش جرائمه داخل لبنان والمجازر التي ارتُكبت وحاول الترويج انه كان يقظا وحذرا من أي قصف لمواقع مكتظة بالسكان، كما اظهرت اوامر قادة الوحدات لجنودهم. الرئيس السابق لمجلس الامن القومي، غيورا ايلاند يقول:"ان اهم درس من دروس حرب لبنان الاولى هو الحاجة الى الاعتراف بوجود فرق كبير في نوع الحرب، بين قدرات الجيش والتوقعات منه من قبل الساسة ووسائل الاعلام والجمهور". وبرأيه توجد أربعة توقعات طبيعة وهي: توقع نصر مطلق، وتوقع نصر سريع، ونصر بلا ثمن كبير من المصابين والامتناع عن المس بالابرياء. وتعتمد الثلاثة الاولى على التفوق العسكري الكلاسيكي، وينبع الرابع من فهم ان "من المهم في الحرب الاختيارية ان نكون عادلين لا أقوياء فقط"، يقول ايلاند. وهل تعلم الاسرائيليون الدرس؟ "تعلمناه جزئياً على الاقل"، يجيب ايلاند ويضيف: "في الانتفاضة الثانية، قيل دعوا الجيش الاسرائيلي ينتصر، وكان الجيش حذراً من الاّ يُجر ويَعد بأمور لا يمكن تحقيقها. وزعم الجيش، وقت عملية "السور الواقي" في نيسان (أبريل) 2002، أنه لا يستطيع ضمان الانجاز المطلوب، الا اذا سمح له بتنفيذ العملية مدة شهر، والبقاء بعد ذلك في الميدان شهراً آخر. واهتم الجيش في عملية "الرصاص المصبوب" في كانون الثاني (يناير) 2009، في احداث ملاءمة صحيحة بين التوقعات والقدرات. لكننا نسينا في حرب لبنان الثانية أن نفعل ذلك وكانت النتيجة وفق ذلك"، يقول ايلاند.