مع التطور المذهل الذي تشهده علوم المعلومات والاتصالات أضحت تطبيقاتها أمراً واقعاً ومفروضاً في مناحي المعارف والتخصصات كافة، كما أن غياب التفكير العلمي الدقيق من أجل التخطيط السليم وإنجاز مشاريع تهم قضايا واستراتيجيات إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أعمال البيداغوجية (هي فكر وعمل فردي وممارسة وتجربة تبحث بعمق للارتقاء إلى مصاف العلوم المعرفية العلمية من خلال المدرس الجامعي) ما يسهم في تردي الحاضر التربوي في الجامعات، ويؤكد أستاذ التعليم العالي بجامعة السلطان المولى إسماعيل الدكتور أبوالقاسم اليوبي بالمغرب، متخصص في اللسانيات الحاسوبية، وذلك أثناء مشاركته في إحدى الندوات عن أزمة اللغة العربية في العالم الإسلامي، وقضية إصلاح التعليم، بأنه من منطلق التشخيص البدهي والواقعي فإن العمليات الأساسية في تداول المعرفة تجري راهناً عن طريق الاعتماد على التوظيف والاستخدام لأنواع التكنولوجيا المعلوماتية والاتصالية، ولعل نجاح البيداغوجية الجامعية اليوم رهين بمدى تفاعلها مع عالم هذه التكنولوجيات، تفكيراً وتخطيطاً وتوظيفاً وبوضع سياسة إصلاحية فعلية تنموية واقتصادية في المؤسسة والإدارة أولاً وفي البيداغوجيا ثانياً، إذ نحن في حاجة إلى مشاريع بيداغوجية مبنية على فحص الحاجات الواقعية غير غافلة عن الانتماء الحضاري لأولئك الذين سيتولون العمل عليها وتطبيقها. إن أي مشروع أو تخطيط بيداغوجي يروم إصلاح التعليم ولا يأخذ بعين الاعتبار العنصر البشري القائم على التنفيذ، ولا يراعي تحسين ظروف عمله، مآله الاخفاق، لأن العنصر البشري هو الفاعل والفعال والوسيط والبؤرة، مدرساً كان او متعلماً أو إدارياً، وعليه فإن النظر إلى مشكلاتنا البيداغوجية من منظور تكنولوجي معلوماتي، وإن كان يبرز قصوراً تزداد حدته نظراً لعدم مواكبة البيداغوجيا سرعة وتيرة التقدم العلمي وقلة نجاعة الاستفادة من التطور المستمر الذي تعرفه التكنولوجيا المعلوماتية، فإنه يجب ألا يؤدي فقط إلى مجرد تشخيص الواقع وفحص الوضع البيداغوجي بالجامعة، وإنما إلى بروز منطلقات جديدة لا تكفي بالتوصيف والضبط، بل تعمل على تقديم بدائل وحلول عملية وتطبيقية... ومن جملة هذه المنطلقات. - التركيز على الرفع من جودة اللغة العربية لأبنائها، إذ يعتبر تعليم اللغة من أهم مجالات التعلم، ذلك لأن اللغة وسيلة لاكتساب المعرفة والحصول على المعلومات، وتعلم اللغة نافذة يطل منها المتعلم على ميادين الثقافة التي كتبت بتلك اللغة، واللغة العربية هي القناة الثابتة التي نتواصل بها على امتداد الزمان والمكان، وهي ذاكرتنا الاجتماعية، بها وفيها تخزن مفاهيمنا ونسجل قيمنا، وبها نحفظ رؤانا وحضارتنا، وهي في حاجة فعلاً إلى أن توضع لها رؤى وخطط تعليمية متجددة للرفع من جودة تعليمها ونشرها وتداولها. - التركيز على ضرورة تحسين طرق ومناهج تعليم العربية لغير ابنائها، ذلك أنها بحاجة إلى من يقدمها لهؤلاء على حقيقتها وفي جودتها من دون تحريف ولا تشويه. - في ظل هذه الثورة لم تعد الجامعة تسعى إلى نقل المعرفة وحسب، فهي ليست هدفاً أولياً في الممارسات التعليمية، وإنما الأولى تطوير القدرات العملية التي تعتمد في الوصول إلى مصادر المعرفة من أصولها واستثمارها في بناء مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية، والإبحار في محيط المعارف لا يجوز أن ينحصر في محاولة إيجاد الأجوبة وإنما الأهم من ذلك تحريك الفكر لطرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة عن طريق الوسائط التكنولوجية، يكسب المتعلم قدرة على التكيف وسرعة في التعلم بحكم قابليته للتنقل والاطلاع الواسع الذي يوفره عالم التكنولوجيا، وهنا تكمن جسامة العمل البيداغوجي الجامعي، إذ لا يجوز أن ينحو منحى الثبات والاستقرار بل التوجه نحو التطور والتنوع، وهو ما يتطلب وعياً من البيداغوجيين والمسؤولين لتوفير ظروف التنويع ووسائل التطوير والحد من القيود التي تحد من مشاركة المتعلمين في التعلم، وإسهامات الأساتذة في المشاريع البيداغوجية، وينتهون جميعهم إلى أن المسألة ليست بالدرجة الأولى في التعميم والانتشار، وإنما هي في القدرة والنوعية. إن التعليم الجامعي معني حالياً بالمشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويستفيد من استثمار التكنولوجيا المعلوماتية والاتصالية في دعم المتعلمين لتغيير طرائق عملهم ودفعهم نحو التفكير والفهم المبنيين على التفاعل المباشر والذكي مع المعرفة المعروضة، ومن هنا يدرك الجامعيون عموماً أن وظيفتهم ليست مقصورة على نقل المعارف والعلوم وإنما تنصب بالأساس على ضبط أهداف النقل وكيفياته وطرقه ومناهجه، ومن ثم السعي لاكساب الفرد أقصى درجات المرونة وسرعة التفكير وقابلية التنقل بمعناه الواسع، والتنقل الجغرافي لتغير أماكن العمل والمعيشة، والتنقل الاجتماعي تحت فعل الحراك الاجتماعي المتوقع، والتنقل الفردي كنتيجة لانفجار وسرعة تغير المفاهيم. معاذ الحاج - جازان