لا يؤيد نصف البريطانيين الحرب في أفغانستان. فهذه الحرب تخاض بناء على طلب الولاياتالمتحدة. وانشغل النظام السياسي البريطاني بسيل من الاتهامات تناولت نقص المروحيات العسكرية، والعربات المصفحة، وعدد جنودنا على الأرض. ولن يحول كيل الاتهامات، وبذل الأموال لشراء عشرات المروحيات، ورفع عدد الجنود، دون تعاظم عدد القتلى في صفوف القوات البريطانية. ولكن ما دواعي خوض جنودنا هذه الحرب، وما الهدف من ورائها؟ فرئيس الوزراء البريطاني أعلن أن القوات البريطانية تتولى حماية عملية الانتخابات الديموقراطية المقبلة في أفغانستان، وتهاجم العدو في ملاذ آمن هو منطلق هجمات على الغرب. ولكن هل رفع عدد الجنود البريطانيين بأفغانستان هو أنجع سبيل الى بلوغ الاهداف هذه؟ استخبارات الحكومة البريطانية تقدر أن ثلاثة أرباع الخطط الارهابية التي كشفت في بريطانيا خطط لها بباكستان. وعدد ضئيل من هذه الخطط أعد لها بأفغانستان. وفروع منظمة «القاعدة»، على افتراض أنها منظمة مركزية تخطط لشن هجمات على الغرب، منتشرة في عدد كبير من الدول، على غرار اليمن والصومال وشمال إفريقيا. وعليه، تنتفي حاجة «القاعدة» الى ملاذ آمن بأفغانستان. ويقول الوزراء أن خسارة باكستان تترتب على الخسارة بأفغانستان. ولكن العسكريين يرون أن مصدر الاضطراب بأفغانستان هو الحدود الباكستانية الأفغانية. وعليه، حريّ بالقوات البريطانية الانتشار على الحدود، عوض السعي الى السيطرة على ولاية في بلد لم يألف الحكم المركزي، ويتمرد على مرابطة قوات أجنبية على أرضه. وتشكو باكستان، وهي شنت أخيراً عملية واسعة النطاق لاستعادة السيطرة على مناطقها الحدودية، من أن جهود قوات التحالف على الجانب الآخر من الحدود متواضعة ولا تُرجى منها فائدة. ولا شك في أن معظم المخططات الإرهابية في أوروبا هي مخططات محلية الاعداد والتنفيذ. وحريّ ببريطانيا دعم ارساء الديموقراطية في البلد هذا، عوض الانشغال بدعم نظام ضعيف متهالك في كابول. والحق أن الزعم أن الحرب في أفغانستان هي حرب ضد الإرهاب مضلل. فالقوات البريطانية خاضت الحرب هذه جراء رغبتها في مساندة الولاياتالمتحدة الأميركية، غداة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. وبدا، يومها، أن اقتلاع «القاعدة» من ملاذها الآمن هو هدف معقول. والأزمة الراهنة، وتعاظم عدد القتلى البريطانيين، مردهما الى انتهاج سياسة أمنية بائتة تسعى الى حماية الحكومة الأفغانية، والقضاء على تجارة المخدرات، وإعادة بناء المجتمع الأفغاني، وإطاحة طالبان. وهذه أهداف اميركية لا تراعي المصالح البريطانية. وليس المخرج الوحيد من المأزق مضاعفة عدد القوات البريطانية. فربما على القوات هذه أن تتخفف من مهمة حماية الحكومة وطرق المواصلات بين المناطق الاستراتيجية، وأن يتولى الافغان أنفسهم المهمات هذه. وفي وسع بريطانيا سحب معظم جنودها من أفغانستان، ونشر وحدة مكافحة إرهاب تسير دوريات على الحدود، أو تحديد موعد للانسحاب من أفغانستان. * صحافي، عن «اندبندنت» البريطانية، 16/7/2009، إعداد جمال اسماعيل