طغى الوضع في الجنوب اللبناني على الوضع السياسي الداخلي أمس، وانشغل كبار المسؤولين بمعالجة ذيول التعدي الإسرائيلي على تلال كفرشوبا وإقامة الإسرائيليين ساتراً ترابياً في أراضي البلدة، وكذلك بتفاعلات الصدام الذي وقع بين القوات الدولية في الجنوب (يونيفيل) وبين عناصر حزبية والأهالي في بلدة خربة سلم الجنوبية، والذي أدى الى جرح 14 من الجنود الدوليين. وإذ استنفر الحادث في خربة سلم الاتصالات السياسية بين الأممالمتحدة وبين لبنان، فإن هذه الاتصالات شملت أيضاً ضرورة قيام ضغط دولي على إسرائيل لوقف استفزازاتها في الجنوب وآخرها في كفرشوبا، ما دفع شبان البلدة الى اجتياز الشريط الشائك وإزالة الساتر الترابي الذي أقامه الإسرائيليون. وملأ الاهتمام بالوضع الجنوبي الفراغ الناجم عن الجمود في جهود تأليف الحكومة الجديدة فتابع رئيس الجمهورية ميشال سليمان التحقيقات الجارية في الحوادث التي وقعت في الجنوب. واعتبر سليمان أن الأمور «تسير في الداخل في الاتجاه الصحيح واللبنانيين يأخذون أمورهم بأيديهم من دون ضغوط أو تدخلات خارجية، وهذا يفسر استغراق بعض الوقت الذي يمكن تقبله إذا بقي ضمن منطق المقبول لإنجاز بعض الملفات واجتياز بعض المحطات على المستوى السياسي العام». وفيما رأت مصادر مراقبة أن كلام سليمان هو صيغة ديبلوماسية وجه فيها رسالة الى الأطراف بأنه لن يقبل بإطالة الوقت في عملية تأليف الحكومة، انشغل رئيس الحكومة المكلف بدوره بالوضع الجنوبي فاستقبل أمس الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مايكل وليامز. وشدد الحريري بعد اللقاء على «اعتبار قوات الطوارئ الدولية قوات صديقة تتولى مهمات أساسية في ضمان سيادة لبنان وتطبيق القرار الرقم 1701». وإذ أكد الحريري «التزام لبنان الكامل بالقرار 1701»، اعتبر أن «الدعوات الإسرائيلية لتعديل القرار الدولي محاولة جديدة للهروب الى الأمام وحجب الأنظار عن الخروق الحقيقية لهذا القرار...». وجاء موقف الحريري هذا رداً على الأنباء عن تقدم إسرائيل بشكوى ضد اقتحام شبان من كفرشوبا للساتر الترابي الذي أقامته القوات الإسرائيلية في المنطقة التي تحتلها من البلدة، وعلى دعوات إسرائيلية لتعديل قواعد الاشتباك في مهمات قوات «يونيفيل». ودعا الحريري الى توفير مقومات الحماية لدور «يونيفيل» في «حماية الحدود اللبنانية من أي عدوان إسرائيلي». واجتمع وليامز مساء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة، وقال بعدها: «نحن قلقون بشأن الأحداث (في خربة سلم وكفرشوبا) والتي تشكل خرقاً صريحاً للقرار 1701، ولكننا نعتقد أن من المهم جداً أن نضع الأمور في إطارها الأوسع. إذ هناك الكثير من الخروق للقرار 1701، ونحن في الأممالمتحدة قلقون جداً لهذا الأمر، وقلقون الآن لكون ثلاثة أحداث جدية وقعت خلال أربعة أيام تقريباً. ولذلك نعتقد أننا بحاجة الى تخفيض حرارة التوتر ومحاولة إصلاح المسائل وليس محاولة التصعيد الذي أعتقد أنه سيكون سيئاً بالنسبة الى القرار 1701 كما للبنان. وقد استهل الرئيس السنيورة لقائي معه بإعادة تأكيد التزامه والتزام حكومة وشعب لبنان بالقرار 1701، وسأنقل هذا الأمر الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون». وبينما شدد وليامز بعد لقائه الحريري على دعوة الأطراف المعنية بالقرار 1701 الى ضبط النفس وتجديد التزامها به، علمت «الحياة» أن الأممالمتحدة وعدت بإجراء اتصالات مع إسرائيل من أجل وقف استفزازاتها في منطقة كفرشوبا وإزالة الساتر الترابي والعلم الإسرائيلي عن منطقة متنازع عليها مع لبنان. ورأى رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أن «مطالبة إسرائيل بتعديل قواعد الاشتباك أمر مرفوض لأن هذه القواعد كان تم التوصل إليها بالإجماع في لبنان العام 2006 بعد العدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان». ورد جنبلاط على انتقادات حلفائه في «القوات اللبنانية» و «الكتائب» لدعوته الى تجمع إسلامي (بينه وبين رئيس البرلمان نبيه بري وتيار «المستقبل» و «حزب الله») وانتقد «الضجيج» حول دعوته، مؤكداً أن «كل المطلوب تجنب العودة الى نفق التوتر المذهبي والطائفي» ودعا الى التركيز على القضية الفلسطينية، معتبراً أن «من المفيد أن يخرج بعض الأصوات اللبنانية من القمقم الضيق...». وكانت الحوادث التي وقعت في الجنوب موضوع بحث بين قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال كلاوديو غراتسيانو، فيما استمر السجال حول محاولة «يونيفيل» تفتيش أحد المنازل في خربة سلم الجمعة الماضي بعد انفجار ما اعتُبر مخزن أسلحة في البلدة الثلثاء الماضي. ودعا حزب الكتائب «يونيفيل» الى الحزم إزاء الخروق «من أي جهة أتت» وحذر الأطراف من أي خطوة متهورة تستغلها إسرائيل، بينما تحدث تكتل نواب «القوات اللبنانية» عن «التصرفات العشوائية التي تعطي صورة مشوهة عن لبنان في المحافل الدولية»، ودان الخروق الإسرائيلية للقرار 1701. وكانت إسرائيل عززت مواقعها في تلال كفرشوبا المحتلة، وقال النائب عن «حزب الله» علي فياض إن على قوات «يونيفيل» أن تلتزم حدود دورها وأن تحترم خصوصيات القرى. ودعا الحكومة والقوى السياسية الى التعاطي بجدية أكبر مع ما يمثله الخرق الإسرائيلي في كفرشوبا.