في زيارته الأخيرة للعراق حذر نائب الرئيس الأميركي جون بايدن الحكومة العراقية من أن استمرار العنف الطائفي سيكون له عواقب سلبية على موقف واشنطن من الوضع في العراق، خصوصاً أن أميركا بشكل أو بآخر ستهيئ شعبها والعالم أن مهمتها في العراق، على رغم التضحيات الجسيمة، قد فشلت بكل المقاييس، سواء من الناحية العسكرية، أو فرض واقع سياسي كانت واشنطن تخطط لاقامتة في العراق، أو بشكل دقيق يتمثل في إقامة نظام شبه ديموقراطي في منطقة تسيطر عليها الأفكار الشمولية، سواء من الناحية السياسية أو الثقافية بمعناها الواسع. إن احتلال دولة ذات سيادة مثل العراق من دولة تمثل قمة الديموقراطية في وقتنا المعاصر مثل أميركا، لا يعني أن قوات الاحتلال ستقابل بالورد والرقصات في الشوارع، كما بشر بذلك المحافظون الجدد في إدارة جورج بوش الابن، أو بعض المفكرين العرب الذين يعملون مستشارين لدى الإدارة الأميركية، وهذا ما حدث بالفعل، بل إن العراق أصبح ساحة مفتوحة لمقاومة القوات الأميركية والغربية من جميع التيارات القومية والاسلاموية، سواء الشيعية في بعض المراحل، أو السنية بجميع أطيافها العروبية، أو الإسلامية والوطنية التي كان لها الدور بشكل رئيس في وصول الوضع في العراق لدرجة التأزم، سواء على مستوى العلاقة بين القوى العراقية بأشكالها الاثنية أو المذهبية أو القومية التي كانت نقطة ارتكاز رئيسية لمقاومة المحتل الأميركي الذي أقر بالهزيمة بخروجه من المدن العراقية وهو بداية لانسحاب كامل من العراق. إن المزايدة بأن أميركا لم تهزم في العراق لا يعني أنها حققت على مستوى الواقع أهدافها الرئيسية، بل إن الفشل السياسي من الأعمال العسكرية في العراق هو ما أدى إلى الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة، وقد تكون التهديدات الأميركية للعراقيين في الحكم للوصول إلى صيغة توافقية لجميع مكونات الشعب العراقي، لهو دليل على أ ن أميركا انهزمت سياسياً وحتى عسكرياً في العراق. إن تأزم الوضع في العراق من الناحية الأمنية في الآونة الأخيرة لهو موضع سؤال يثير الشكوك، خصوصاً التفجيرات الأخيرة التي استهدفت الكثير من المدنيين من أصحاب المذاهب والاثنيات المختلفة، وكأن من يقوم بها يرسل إشارات لكل أبناء الشعب العراقي تقول إن انسحاب القوات الأميركية سيخلق فراغاً سياسياً وعسكرياً في العراق، لذا علينا الاحتفاظ وشرعنة بقاء القوات الأميركية خارج المدن العراقية، مما يدل على أن من يحكم العراق منذ احتلاله يفتقد إلى الشرعية ليس من المحيط الإقليمي، خصوصاً العربي، بل من أبناء الشعب العراقي، فلا يمكن تحول كونونيتية ذلك الشعب من مدافع عن الأمة العربية، سواء في الشرق، أو في الدفاع عن القضية الفلسطينية، أو القضايا العربية المصيرية، أي انه لا يمكن أن نجعل من ذلك الخطاب العروبي أن يتحول إلى خطاب مذهبي، أو تصادمي مع المحيط العربي، إن مثل هذه الأيديولوجيات الطارئة على العراق لا يمكن أن تجلب إلا الدمار والحروب، ويمكن أن تكون أكثر عنفاً ودموية وبداية حقيقية لحرب أهلية هناك، سواء بين أصحاب المذاهب المختلفة، أو حتى بين الاثنيات المختلفة، خصوصاً الأكراد والعرب في الشمال. إن من قدم التضحيات في سبيل إخراج القوات الأميركية من المدن العراقية في المرحلة الراهنة، ومن العراق في المرحلة القريبة المقبلة، هو من سيفرض شروطه، وفي حال إقصائها فإن العراق سيكون مهدداً بشكل حقيقي بحرب أهلية حقيقية قد تقود في النهاية إلى تفتته كدولة. [email protected]