في بدايات القرن الماضي، وقبل اشادة البنى التحتية الحديثة، تولى «السقّا» أو «الساقي» في العراق توفير المياه الصالحة للشرب للسكان. إلا أن «السقا»، وبعد غياب طويل، بدأ يعود مرة أخرى الى شوارع النجف بسيارة حديثة ومياه صالحة للشرب أصبحت مطلباً أساسياً للاهالي بعدما ارتفعت نسب التلوث بالبكتيريا والجراثيم في شبكة نقل المياه الحكومية. وتدور سيارة «الساقي» اليوم على أحياء النجف (جنوب بغداد) ليشتري منها الأهالي حاجاتهم من مياه الشفة التي يحذر خبراء من أنها أيضاً ملوثة وغير صالحة للاستهلاك. ويؤكد معاون مدير بيئة النجف حازم جمال ل «الحياة» أن «المياه التي تباع في مدينة النجف ويتم تعبئتها من مجمعات أهلية لتصفية المياه ملوثة بالجراثيم». ويضيف أن «السيارات المخصصة لنقل هذه المياه من المعامل الأهلية إلى مراكز بيعها، وسوء عملية التخزين من جانب الباعة، قد يكونان السببين الرئيسيين لهذا التلوث». ويشير الى أن «دائرته قدمت عدداً من الكشوفات إلى الدوائر المعنية في المحافظة للحد من بيع المياه الملوثة». يقول أحد أصحاب مصافي المياه الاهلية حسن الطحان ل «الحياة» إن «المياه الناتجة من محطتنا مطابقة للمواصفات الصحية. إلا أن سوء التخزين من بعض الباعة، وعدم غسل الخزانات بين الحين والآخر، وتسليط ضوء شمس على المياه، تعتبر عوامل مساعدة لبيئة مليئة بالطحالب والطفليات، وذلك ناهيك عن مشكلة سيارات النقل التي تعمل على نقل المياه الصالحة للشرب تارة، وعلى نقل مياه الأنهار الملوثة تارة أخرى». ومشكلة ماء الشرب في النجف مردها عجز البلديات عن توفيرها، ما دفع الى الاستعانة ب «الساقي الحديث» كبديل للحماية من الامراض التي تنتشر في شكل لافت في مناطق جنوب العراق مع حلول فصل الصيف. ويقول علي محسن أحد سكان المدينة إن العراق «بلاد ما بين النهرين. ومع ذلك نعاني من مشكلة مياه. فأكثر الأمراض تأتينا من المياه الحكومية أو الأهلية الملوثة فبات أطفالنا عرضة للاصابة الدائمة بالاسهال المزمن والتيفوئيد والكوليرا والحصبة». ويضيف: «بعد استشارة الطبيب، استعملنا المياه المعدنية المعقمة التي توزع عبر السيارات الجوالة والمحلات التي تبيع المياه باعتبار مخاطرها اقل من (مخاطر) مياه شبكة الماء الحكومية». يرى مدير مشروع ماء الكوفة (حكومي) حسن زوين أن «شحة المياه في نهر الفرات هي السبب في تلوث المياه». ويضيف أن «نسبة التعقيم التي نقوم بها قوية جداً، إذ زدنا نسبت الكلور لكن الأنهر صارت ملوثة وعندما نسحب الماء لغرض تصفيته يأتي معه الطين والاوساخ والبكتيريا». ويتابع أنه «حتى المياه المعدنية المحلية الصنع مشكوك بجودتها لأنها تأتي من المصدر ذاته». وكان العراق فاتح تركيا بحل مشكلة نقص منسوب المياه في نهري دجلة والفرات الذي تعرض الى الجفاف في جنوب البلاد. وكانت قضية المياه على رأس جدول أعمال الرئيس التركي عبدالله غل خلال زيارته الأخيرة الى بغداد. ينتظر أهالي النجف يومياً السيارات التي تنقل المياه عند الصباح لملء خزانات المياه الصالحة للشرب في مقابل دولار واحد لكل قنينة سعة 20 لتراً. وكانت وزيرة البيئة العراقية نرمين عثمان أكدت أن نسبة تلوث مياه الشرب في العراق بلغت حوالي 35 في المئة، وحذرت من مخاطر انتشار الأمراض نتيجة لذلك. وأوضحت أن «فحوصات المياه لدينا تشير الى نسبة فشل بحوالي 36 أو 35 في المئة وقد يعد هذا تحسناً بالمقارنة مع السنوات السابقة، لكن هذه النسبة تشير أيضاً الى تلوث واحتمالات نقل أمراض معدية».