واشنطن - «نشرة واشنطن» - تشير السجلات شهراً بعد آخر إلى تسجيل ارتفاع في درجات الحرارة، التي تسبب تغير المناخ العالمي. لكن الدليل على التغير البيئي يظهر في المحيط المتجمد الشمالي. إذ بات ازدياد ذوبان الجليد فيه خلال فصل الصيف، يفتح ممرات بحرية جديدة، ويوفر فرصاً وأخطاراً جديدة للدول التي لها مصالح في المحيط الواقع في أقصى شمال الكرة الأرضية. واعتبر الأدميرال البحري في سلاح البحرية الأميركية ديفيد تتيلي، خلال ندوة نقاش عقدت خلال مؤتمر علمي برعاية الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي في واشنطن، أن «ما يحدث هو إلى حد ما انفتاح محيط جديد للمرة الأولى منذ 500 سنة». ورأى الأستاذ في جامعة «كالغاري» روب هيوبرت، أن «التغييرات المتوقعة للذوبان المتزايد للجليد في فصل الصيف في المحيط المتجمد الشمالي، تشكل تحوّلاً ضخماً، ونرصد تحولات فيزيائية لم يشهد مثلها الجنس البشري في السابق». وشارك هيوبرت في كتابة تقرير بعنوان «تغير المناخ والأمن الدولي: القطب الشمالي كعامل رائد»، الذي أُعدّ لمركز «حلول المناخ والطاقة». ووافق تتيلي على تكهنات هيوبرت في شأن التحولات المترتبة على وجود مصادر مياه مفتوحة جديدة في قمة العالم، مشيراً إلى «وجود مياه حيث كان يوجد جليد يغير أنظمة النقل البحري. وربما يغير كيفية تفكير روسيا في مناطقها الشمالية، وطريقة استخراج الموارد». لذا «فهو حقاً عالم مختلف تماماً». واتفق المشاركون في الندوة، على أن صناعات متنوعة «ستجد فرصاً للاستفادة في شكل أكبر من موارد القطب الشمالي، بحيث تشمل استخراج النفط والغاز والسياحة والشحن البحري وصيد الأسماك. وسيولد هذا التطور تأثيرات حتمية على الملايين الأربعة الذين يعيشون في منطقة القطب الشمالي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الثماني التي تُعتبر من دول هذا القطب، وهي كندا والولايات المتحدة وغرينلند التي تتمتع بالحكم الذاتي ضمن الدنمارك، والنروج وفنلندا وأيسلندا وروسيا والسويد. هذه الدول الثماني هي أعضاء في مجلس المحيط المتجمد الشمالي، وهو منتدى بين الحكومات أنشئ بمقتضى الاتفاق المتبادل عام 1996، كوسيلة لتعزيز التعاون والتنسيق والتفاعل بين الأعضاء. وتشير تقديرات إلى أن نسبة 13 في المئة من كميات النفط غير المكتشفة في العالم موجودة في القطب الشمالي، كما يختزن نسبة 30 في المئة من الغاز الطبيعي غير المكتشف. ومع نمو الفرص لتحقيق الأرباح والاستكشافات في القطب الشمالي، ستنمو أيضاً احتمالات النزاعات عندما تتنافس الدول والمصالح للمطالبة بالحقوق. لكن تتيلي أوضح أن الدول المتجاورة حول البحر الكاريبي «تتقاسم المياه بالاتفاق في ما بينها، ما يدل على أن التعاون حول الموارد المشتركة أمر ممكن». وتأتي الأخطار مع بروز الفرصة لتحقيق مزيد من الأرباح، إذ يُعتبر القطب الشمالي مناخاً غير ودّي للعمل، نظراً إلى وجود عدد محدود من الخرائط الدقيقة المرسومة له مع طيف ضخم من الأخطار، من ضمنها درجات الحرارة القاسية والتقنيات غير الدقيقة للتكهن بقوة الجليد وحركة الجليد البحري. وسيعني النشاط الاقتصادي المتزايد تعرض أعداد متزايدة من البشر للأخطار نتيجة هذه العوامل المجهولة. وحذر تتيلي، من احتمال «كارثة مماثلة للتي حلت بالباخرة تايتانيك عند نقطة المياه القطبية، مع زيادة بواخر الرحلات السياحية رحلاتها في الممرات البحرية للمحيط المتجمد الشمالي، التي فُتحت في المواسم السابقة». وتجذب شركات الرحلات البحرية، الزبائن الراغبين في مشاهدة جبال الجليد والحيوانات القاطنة في المحيط المتجمد الشمالي عن قرب، فتبحر في مياه مجهولة، على رغم وجود أخطار تحت سطح البحر مباشرة. وواجهت بواخر الرحلات البحرية مشاكل في المحيط المتجمد الشمالي ومياه منطقة القطب الجنوبي، وأُنقذ من تبقى على قيد الحياة لمصادفة وجود سفن أخرى قريبة منها قادرة على الإنقاذ. وحذّر الأدميرال تتيلي، من «احتمال عدم توافر مثل هذه الحظوظ للسفن الأخرى، مع زيادة الرحلات البحرية في هذه المياه». وخلص إلى أن «الاتكال على الأمل ليس استراتيجية جيدة عندما يقتضي التعامل مع عمليات البحث والإنقاذ، لأن عند نقطة ما وفي يوم ما، ستحصل كارثة». ولا تملك قوات خفر السواحل الأميركية سوى قدرة محدودة على القيام بعمليات البحث والإنقاذ في المحيط المتجمد الشمالي والقطب الجنوبي. وكشف هيوبرت أن المنظمة البحرية الدولية «لم تضع معايير أعلى لإضافة قوارب النجاة إلى البواخر المُبحرة في المياه الباردة، على رغم تقديم الاقتراح للمرة الأولى بعد مقتل نحو 1500 شخص لدى اصطدام الباخرة «تايتانيك» بجبل جليدي قبل مئة سنة».