على رغم تلويحها بالخطط العسكرية في سورية، يسود التريث والتمسك بالوسائل الديبلوماسية وأدوات الضغط الموقف الأميركي، وعلى الأقل حتى انتهاء الأشهر الثلاثة لمهمة المبعوث الدولي كوفي أنان. وتقف الأسباب الانتخابية وتعقيدات المشهد السوري وراء المعادلة الأميركية وحسابات ادارة باراك أوباما التي ما زالت تعتقد بحتمية سقوط النظام السوري ولأسباب اقتصادية وجيو- سياسية. وعلى رغم تأكيد الادارة وعلى لسان وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان مارتن ديمبسي أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جاهزة ولديها خطط عسكرية حيال سورية في حال طلب الرئيس أوباما التحرك، فإن أجواء الادارة الأميركية عموماً تعكس رغبة في التريث الى حين تغير المعطيات السياسية داخلياً وفي سورية. فواشنطن، وكما قالت مساعدة بانيتا كاثلين هيكس للكونغرس، مقتنعة بأن خطة أنان “تفشل” اليوم، وهي من البداية لم تعول كثيراً على نجاحها بل رأت فيها وسيلة ديبلوماسية توفر مظلة دولية وتزيد الضغوط على نظام الرئيس بشار الأسد وكل من روسيا والصين اللذين يدعمان جهود أنان. وأهم من ذلك تساعد خطة أنان الادارة في شراء الوقت وتوفر غطاء فاعلا لإسكات الانتقادات من المعارضة الجمهورية بأن ادارة أوباما ليست لديها استراتيجية حيال سورية. فالتمسك بالحل الديبلوماسي ما زال يحظى بأولوية لدى واشنطن خصوصاً أن أوباما لا يريد المجازفة بأي تدخل عسكري خارجي خلال السنة الانتخابية، ويسعى للتركيز على الشأن الاقتصادي الذي يحتل أولوية في الحملة. اذ على رغم حديث المسؤولين الأميركيين عن امكان اقامة مناطق عازلة في حال توجهت تركيا الى حلف شمال الأطلسي وطلبت مراجعة ذلك، تعكس أجواء الادارة تريثاً في هذا الشأن وانتظار انتهاء الأشهر الثلاثة لتنفيذ خطة أنان كما أكدت السفيرة لدى الأممالمتحدة سوزان رايس. ويهدف التصعيد الكلامي الى اسكات الانتقادات من الجمهوريين ومنع المسألة من الانتقال الى الحملة الانتخابية بين أوباما والمرشح الجمهوري المفترض ميت رومني. وكانت حملة رومني اتهمت هذا الأسبوع أوباما باظهار قيادة ضعيفة في التعامل مع الأزمة في سورية وفي الملف الايراني. وفي الوقت نفسه تعمل الادارة الأميركية على زيادة الضغوط الاقتصادية على الأسد، والتي ترى فيها سلاحاً فاعلاً، وتأمل بأن يؤدي الى انهيار اقتصادي يعيد حسابات الدائرة المحيطة بالأسد من تجار وعسكريين خارج العائلة. كما تحاول واشنطن رص صفوف المعارضة السورية على رغم شكوكها بامكان توحيدها تحت منظمة جامعة، وهي تسعى الى دفعها لتبني رؤية مشتركة والتواصل بشكل أكبر مع الأقليات وخصوصاً الأكراد الذين سيساعد انضمامهم الى المعارضة برأي الأميركيين في حشر النظام. ويصل رئيس الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي عبدالحكيم بشار الى واشنطن هذا الأسبوع للبحث بتقريب وجهات النظر بين المعارضة والأقلية الكردية، وذلك بعد زيارة لرئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني للعاصمة الأميركية منذ أسبوعين بحث فيها مع أوباما ونائب الرئيس جوزيف بايدن في الأزمة السورية وملفات أخرى. وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند ذكرت (أ ف ب) مساء الجمعة أن خطة أنان «تفشل في التوصل إلى أهدافها لأن الأسد لا يحترم نصف التزاماته في الاتفاق»، ولفتت إلى أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «قالت بوضوح إنه إذا فشلت الخطة نهائياً فإننا سنعود إلى الأممالمتحدة». وأضافت نولاند أن الولاياتالمتحدة كانت عبرت مرات عدة عن خشيتها من أن يستغل النظام السوري وقف إطلاق النار الساري رسمياً منذ 12 نيسان (أبريل)، لمهاجمة المعارضة وأنها على استعداد للعمل على إنهاء مهمة المراقبين الدوليين قبل انتهاء فترتها الأولية التي تدوم 90 يوماً. وقالت إن «فترة التسعين يوماً تقدير وضعته الأممالمتحدة قبل تقويم المهمة مجدداً، لكن من الممكن تماماً أن نضطر إلى استخلاص الدروس قبل نهاية هذه الفترة». كما أعرب الاتحاد الأوروبي مساء الجمعة عن «بالغ قلقه» إزاء استمرار أعمال العنف في سورية، حيث «من الواضح» أن الحكومة «لا تحترم التزاماتها» بسحب قواتها من المدن وفق ما ذكرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون في بيان. وكررت آشتون دعوة «كل الأفرقاء إلى الوقف الفوري لأي شكل من أشكال العنف» والحكومة إلى احترام بنود خطة أنان. كما أبدت «قلقها الشديد حيال المعلومات في شأن الارتفاع الكبير لعدد المعتقلين منذ اتفاق وقف إطلاق النار»، مؤكدة أن على الحكومة إطلاق سراح المعتقلين والسماح للصحافيين بالتنقل وبوصول المساعدات إلى الضحايا وتوفير حرية التظاهر.