قرعت خبيرة في مجال الحماية الاجتماعية جرس الإنذار، محذرة من «وجود استغلال مستمر لنساء معنفات»، لافتة إلى أنهن يتعايشن مع العنف «كأنه جزء لا يتجزأ من طبيعة حياتهن، ونساء يذرفن الدموع على حياتهن الماضية التي قد تتجاوز عشرات السنين وهن تحت سلطة الأذى النفسي وسيطرة الأذى الجسدي» مشيرة إلى أنهن يبحثن عن «حلول سريعة مع أزواجهن المسيطرين عليهن برضاهن الإرادي واللاإرادي»، منبهة إلى أنهن قد «يتنازلن وهن متألمات عن مطالبهن في لحظات أمام القاضي في المحكمة لأن أزواجهن نجحوا في استجداء عطفهن ورضاهن». الخبيرة السعودية في مجال الحماية الاجتماعية الدكتورة موضي الزهراني، كشفت عن واقع «مأسوي» في المجتمع السعودي، لنساء يتعرضن للعنف عبر إصدار بعنوان: «نساء مضطهدات» (حصلت «الحياة» على نسخة منه)، مشيرة إلى أن هناك نساء يتنازلن عن حقوقهن التي شرعها الله لتحقيق حياة كريمة لأن أزواجهن استطاعوا «بمهارة ماكرة» تمثيل تقديم الوعود بالتغيير الذي قد يناسب مطالبهن البسيطة، ولا تستطيع رفض تقبل سلسلة من وعود الرجل الوهمية في لحظة حساب أو تصالح داخل قاعات المحكمة. وترجع ذلك إلى أن النساء المعذبات «قد يتنازلن عن حقوقهن لاحتمالات من بينها أن ينتهي الذل والإهانات من رجال الأمن أو القضاء بعدما ينتهي مفعول التحذير مع الزوج، أو قد يتفنن هذا الزوج في تعذيبها نفسياً وعاطفياً لأنها تقدمت بشكوى ضده، أو قد يقوم بخطف الأب أطفالها والاختفاء بهم بعيداً عنها بمسافات مدن، ويرسل إليها رسالة من خلال جهازه المحمول أو من خلال المحكمة بأنها طالق وألا تفكر أبداً بأن تسأل عن أطفالها فتظل تبكي بحرقة المقهور وتتمنى بأنها ظلت زوجة معذبة على أن تكون أماً محرومة. وتحدثت الزهراني، التي تتولى مهام عمل «الحماية الاجتماعية» في وزارة الشؤون الاجتماعية منذ العام 2004، عن مشكلات النساء في عدم استطاعتهن تحمل «العناء» لوحدهن في عالم لا ينتصر فيه إلا الرجل، «حين تتحمل عناء إجراءات الشكاوى الروتينية من مركز أمني إلى آخر، ومن محكمة إلى أخرى، ولن تتحمل إجراءات المحاكمة والجلسات التي قد تطول مددها لشهور وهي ما زالت محرومة من أطفالها ولن تستطيع تحمل نفقات رجال القانون والمحاماة الذين قد يستغلون ضعفها بمساومتها في أمور أسوأ، بخاصة عندنا لا تمتلك مصدر رزق خاصاً بها، وأسرتها ترفض مساندتها مادياً لكي تفوز بحضانة أطفالها». ولفتت إلى أن المرأة المضطهدة تتعذب كزوجة لأعوام، وتعيش كأم بذل أمام أطفالها، وتتحمل أنها معزولة عن العالم الإنساني من حولها برضاها لأنها تعتقد بأن ما يقوم به زوجها واجب زوجي متعارف عليه ولا يحق لها الاعتراض أو الشكوى، أو أنها تربت منذ طفولتها على أن الرجل هو المسيطر والمرأة عليها السمع والطاعة، خصوصاً أنها لا تنسى دور والدتها تجاه والدها ورأسها المطأطئ للأرض وعباراتها التي ترددها أمامه خاضعة وخائفة بقولها: «أبشر، أنت تآمر، على رأسي، القول قولك... إلخ»، من العبارات التي زرعت بداخلها الاستسلام لأوامر الرجل ولزوجها، خصوصاً لأنه مهما بدر منه من عذابات مختلفة فإنها ستتحمل جميع تلك الآلام في مقابل ألا تخسر أطفالها. ونبهت الزهراني، الحاصلة على دكتوراه في علم النفس، إلى أن وضع النساء المسلوبات والمأمورات في عاطفتهن وإرادتهن وجسدهن لم تكن حصراً على طبقة اجتماعية معينة أو مرتبطة بمستوى تعليمي منخفض، أو بفئة جاهلة بحقوقها وكيف تدافع عنها، لأنها غالباً تقع في حيرة من أمرها، ولمن تلجأ هل إلى المراكز الأمنية قبل أن تستفحل مشكلتها وتكون في «عداد الموتى نفسياً أو جسدياً»، أو إلى الجهات الحقوقية لكي ترشدها وتقدم لها النصح بكيفية المطالبة بحقوقها والدفاع عنها، أو إلى قاعات المحاكم عندما تنتهي بها الطرق المظلمة إلى طريق لا بد أن تتجاوزه كي تنفذ ما تبقى من حياتها لإنقاذه. وتطرقت في كتابها إلى تسع قضايا واقعية لسيدات مضطهدات، إذ إنها من خلال تعاملها مع «النماذج المحزنة والمظلومة»، واجهت الطبيبة الحائرة بكيفية التخلص من زوج غيور، والزوجة المسنة الأمية في تعليمها التي عاشت أعواماً طويلة تحت الذل والمهانة في مقابل ألا تكون مطلقة وألا تخسر أطفالها، لكنها عندما شارفت الخمسين انتفضت ثائرة راغبة في الخلاص من زوج ظالم، لكن للأسف بعدما أنتجت نتاجاً بشرياً مختلاً عقلياً ونفسياً وجسدياً نتيجة للتعذيب الذي تواجهه والدتهم كل يوم، إضافة إلى تلك الزوجة البسيطة الجاهلة بالحياة من حولها والمحرومة من أي مصدر مادي يبعدها عن مذلة السؤال لزوج عدواني بخيل أدخلها دائرة التسول كل يوم، أو تلك الفتاة التي ارتضت أن تعيش حبيسة لأكثر من عشرة أعوام فوق سطح منزل أخيها غير الشقيق مع إخوتها ووالدها المسن عقاباً لها على علاقة عابرة مع رجل كانت فيه ضحية من الدرجة الأولى.