جوبا (جنوب السودان)، تلودي (جنوب كردفان) - أ ف ب - في وقت استمر التوتر الشديد يلف الحدود بين السودان وجنوب السودان بسبب المعارك حول منطقة هجليج النفطية التي سيطر عليها الجنوبيون يوم الثلثاء، أفيد أن الهجوم العنيف الذي شنه المتمردون على ضاحية تلودي بمنطقة جنوب كردفان السودانية في بداية نيسان (ابريل) الجاري، خلّف دماراً كبيراً، إذ تناثرت الأسرّة المحروقة وسقوف القش والصفيح المنهارة والأواني المنزلية المحطمة. فقد شنت القوات المتمردة هذا الهجوم بدعم من دولة جنوب السودان، كما تقول السلطات السودانية التي واكبت الخميس مجموعة من الصحافيين حتى هذه المنطقة التي تبعد خمسين كلم عن الحدود، والتي كانت واحدة من الزيارات الصحافية النادرة التي يُسمح بها لهذه المنطقة الحدودية بين السودان وجنوب السودان. وقالت وزيرة الدولة في وزارة الإعلام والاتصالات سناء حمد التي رافقت الصحافيين: «يبدو أن امرأتين مسنتين قد أصيبتا». ولا تسمح الخرطوم باجراء تحقيقات صحافية مستقلة في جنوب كردفان، آخر ولاية نفطية في السودان منذ انفصال جنوب السودان، والتي تشهد منذ حزيران (يونيو) 2011 مواجهات أسفرت عن مئات القتلى بين الجيش السوداني ومتمردي «الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال». وبسبب القيود المفروضة على الصحافيين والديبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني، من الصعوبة بمكان معرفة أطراف النزاع وتقويم كثافة المعارك. وفي المحطة الكهربائية المحلية الصغيرة، أشار مسؤولون إلى خزاني الفيول اللذين اكتسيا بالسواد جراء النيران بعدما أصيب احدهما بقذيفة خلّفت حفرة يبلغ قطرها 30 سنتيمتراً. وعلى هذه الطريق يدلّ معتمد تلودي، المقبول هجام، بإصبعه إلى ما يشبه عش دجاج ويستخرج منه شظيتين تؤكدان -كما قال- أن قذيفة قد انفجرت في هذا المكان. وقد فتحت السوق من جديد متاجرها التي يؤمها خصوصا الجنود. وقال تاجر عبر مترجم رسمي انه «عاد قبل ثلاثة أيام» بعدما فر من اعمال العنف. واندلعت صدامات جديدة هذا الاسبوع على بعد 100 كلم من تلودي حول هجليج التي تضم اكبر حقل نفط في السودان. ويبدو ان الخرطوموجوبا لم تكونا على ما يبدو أقرب من خوض حرب جديدة، فيما تعرب المجموعة الدولية عن قلقها من حصول مجاعة. لكن لم يسمع اطلاق للنار خلال الزيارة التي استمرت خمس ساعات إلى تلودي المؤلفة خصوصاً من أكواخ. واكدت السلطات المحلية أن السكان الذين فروا من المعارك يعودون، وانها لا تحتاج إلى خطة مساعدة دولية لتقديم المواد الغذائية في المنطقة. وقد تضرر حوالى 30 ألف شخص من أعمال العنف في تلودي، كما قالت. ومنذ بدء الصدامات في جنوب كردفان في حزيران (يونيو)، لم يتمكن متمردو «الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال» من السيطرة على تلودي، لكن هجومهم هذه المرة استمر سبعة أيام، كما قال الحاكم أحمد هارون. وأضاف: «عندما شعروا انهم... يفشلون، عمدوا إلى قصف المنطقة». وتحدث عن مقتل 35 مدنياً وإصابة 54، وهي حصيلة يصعب التحقق منها. وفي اعقاب زيارة سرية للمنطقة، ذكر الممثل الأميركي جورج كلوني الشهر الماضي انه رأى مئات الأشخاص يفرون من قذائف الجيش السوداني التي تطلق على المتمردين لكنها غالباً ما تصيب مدنيين. وقد قاتل متمردو «الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال» مع المتمردين الجنوبيين خلال عقود الحرب الاهلية التي انهتها في 2005 اتفاقات سلام أدت إلى استقلال جنوب السودان في تموز (يوليو) الماضي. ويرفض جنوب السودان اتهامات الخرطوم بدعم المتمردين الذين يقاتلون القوات الحكومية السودانية منذ اشهر في جنوب كردفان وفي ولاية النيل الازرق المجاورة. ومعلوم أن الحدود المشتركة بين السودان وجنوب السودان لا تزال موضع خلاف ومصدراً مستمراً للتوتر بين البلدين الجارين. وينص اتفاق السلام المبرم سنة 2005 على أن تكون الحدود بين الشمال والجنوب كما كانت عليه في الأول من كانون الثاني (يناير) 1956 عندما استقل السودان عن بريطانيا. وكان السودان في عهد الاستعمار البريطاني مقسماً إلى قسمين، حيث كان النظام الإداري مختلفاً في الشمال عن الجنوب. لكن العديد من خرائط تلك الفترة متناقضة ولم يجر أبداً أي ترسيم للحدود على الأرض. لذلك تتنازع الخرطوموجوبا السيطرة على ما لا يقل عن خُمس مساحة ال1800 كلم من الحدود المشتركة ومن بينها مناطق زراعية خصبة وأخرى تزخر بالنفط والمعادن مثل أبيي وهجليج. وكانت منطقة هجليج في قلب المعارك الأخيرة حيث طرد جيش جنوب السودان القوات السودانية منها يوم الثلثاء. وتنتج هذه المنطقة (الواقعة ضمن حدود دولة السودان) نصف النفط السوداني. وهي تعتبر منطقة استراتيجية لا سيما وأن الخرطوم فقدت في تموز (يوليو) 2011 ثلاثة ارباع احتياطيها من النفط الذي كانت تملكه قبل انفصال الجنوب. وفي 2005 كانت أبيي -التي تتمتع بوضع خاص في اتفاق السلام- تشمل أيضاً هجليج، لكن محكمة التحكيم الدولية في لاهاي قلّصت من مساحتها في 2009 وفصلت عنها هجليج. غير أن ذلك لم يحسم الأمر حيث ما زال الطرفان يتنازعان هجليج حيث تؤكد جوبا أن المنطقة وحقولها النفطية كانت في الجنوب وفق خرائط 1956. ولم تحسم المحكمة الدولية مسألة ضم أبيي إلى شمال السودان أو جنوبه. وفي كانون الثاني (يناير) 2011، كان يُفترض أن يتم استفتاء في تلك المنطقة التي تعادل مساحتها مساحة لبنان، لكن الاستفتاء لم يحصل بسبب عدم التوافق حول من لهم حق الانتخاب. وفي أيار (مايو) 2011، استولى الجيش السوداني على المنطقة التي كانت حتى ذلك الحين تسيطر عليها وحدات خاصة مشتركة من الشمال والجنوب، ما أدى إلى فرار نحو 110 آلاف شخص نزحوا إلى مخيمات في جنوب السودان.