يصاب الكثير من الحكام المستبدين ب«جنون العظمة» ويكتمل المهرجان بوجود «جوقة» من المنافقين يحسنون ويزينون للحاكم المستبد أحلامه كافة حتى يصير، كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد، وكأن البلاد المنكوبة بحكم المستبد تضيق به فيتجه إلى الخارج. الكاتب الإيراني الأصل والأميركي الجنسية «تريتا بارزي» في رسالته للحصول على الدكتوراه بعنوان «حلف المصالح المشتركة»، التي نُشرت بالعربية عام 2008، وقام بترجمتها أمين الأيوبي، ونشرتها الدار العربية للعلوم بلبنان، يتحدث عن أحلام الشاه عام 1976، وهو يحاور نائب الرئيس الأميركي نيلسون روكفلر، يقول الشاه: «سياستي صادقة ومباشرة، ولا أملك أجندة خفية، وأقول بصراحة إنني أرغب في أن تلعب إيران دوراً في المحيط الهندي، وليس لدي أي اعتراض على الوجود الأميركي هناك، بل إنني سأدافع عن مصالحكم بالتأكيد»، ويعلق الكاتب تريتا «في البداية وسع الشاه مدى نشاطه (البحرية الإيرانية) حتى خط العرض 20، ثم ابتعد ليصل إلى خط العرض 10، وبناء على ذلك بدأت البحرية الإيرانية في تسيير دوريات بمحاذاة سواحل أفريقيا الشرقية، مظهرة بذلك قدرتها، وعلى ضوء هذه التطورات شعر الشاه بأنه لا يمكن أن تقف إيران موقف اللا مبالي من الوضع السياسي في الصومال، لذا أمر جيشه بالتدخل في هذه الدولة الأفريقية الشرقية». يقول الديبلوماسي الإيراني «السابق» داود باوند: «كان ذلك حصيلة تصور «جنون العظمة» الذي تَملّك الشاه، حيال نفسه، وحيال مكانة إيران». هذه الأحلام تملكت «هتلر» فأشعل الحرب العالمية الثانية، وكذلك حليف موسوليني وجنرالات اليابان، وستالين وتلاميذه من الحكام العرب الفاشلين «المغرورين» والمحاطين بأشباه الرجال من المنافقين، فتوالت ولا تزال الهزائم المتلاحقة على أمتنا، حتى شبعنا منها، ووصلنا حد التخمة، ولا يزال البعض يحلم بالانتصار، ليس على عدو ومحتل أرضه، ولكن على شعبه، والذين يعانون من جنونه ومن نفاقه الطغمة من حوله، حتى لم تعد الأمة تدري هل فجيعتها بجنون العظمة أكبر، أم بطغمة النفاق وجيوش «التصفيق»؟! بالعودة إلى «تريتا»، فهو يقول: «نظرت واشنطن إلى هذه التطورات بعين حذرة، وقد تملكها القلق مما يمكن أن تفعله طموحات الشاه به»... يقول مسؤول مكتب إيران السابق في الخارجية الأميركية هنري بريشق، «لم يكن الشاه يسعى إلى أن يكون المهيمن على المنطقة فحسب، بل أراد أن يصبح «قوة على المسرح العالمي»، ويشرح «هويدة» الأمر فيقول: «فجأة اعتقد الشاه بأنه أذكى من أي شخص آخر، وتوقف عن استشارة مستشاريه، وأصر على إجراء التحليلات كافة واتخاذ القرارات كلها بنفسه». وهكذا كان يفعل عبدالناصر وصدام والقذافي وأمثالهم، لكن المصيبة الكبرى أن الشعوب المنكوبة هي التي تدفع الثمن، بينما لا حول لها ولا قوة ولا علم ولا معرفة والشكوى لله، ونعوذ بالله من جنون العظمة، ومن شياطين النفاق، ومن كل من يركن إلى حاكم ظالم، كما يقول الله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار). إن مجرد الميل والركون يجعل صاحبه من أهل النار، فكيف بمن يحسن للمجنون جنونه، ويمده في طغيانه، ويحسن له كل تصرفاته؟! أكاديمي عراقي