يحدث أن تفجعك بعض المعلومات لأنك غائب عنها، أو ربما لمرورها عليك برقم يمكن حسابه في خانة الممكن والمعقول، لكن هذه المرة تأخذني الحدة في القول بأن هناك أوجاعاً بمراتب عالية، ومن الوزن المحلي الثقيل، تلك التي تهيئ فيها أحداً لأكثر من عقد في مراحل التعليم العام استعداداً لأن تؤهله لوظيفة لن يجني منها سوى لقمة العيش، ثم تضيف بعد مشوار التهيئة المتقلب 19 عاماً من الانتظار والبؤس والانكسار والقهر والكآبة والصدمة، وأضيفوا هنا ما شئتم من مفردات الخيبة ولوازم الخذلان وتداعيات الظلم. المعلومة التي أنا بصدد سكبها هي انتظار خريجات دبلوم الكلية المتوسطة للوظيفة لما يقارب 19 عاماً، وهي مدة كافية لإحراق الطموحات واليأس من كل شيء، لكني أهنئ كل فتاة من فتيات بلدي اللاتي كان قدرهن أن يحصلن على هذا الدبلوم المشؤوم على حجم الصبر الذي يحملنه في أرواحهن، وأطلب من الذين باعوا عرقهن بثمن بخس أن يحملوا ثوب الرجولة، ويعلنوا أين هو الخلل بالضبط، ومن الذي وضع ملف تسعة آلاف خريجة في أدراج ميتة ودفنها هذه المدة الطويلة. أكتب عنهن لأنهن جزء من هذا البلد، ولولا - الحظ الرديء - ومسؤول ظالم لسترت عوائل فقيرة، وابتسمت أخرى يتيمة، وعولجت قلوب مريضة، ومسحت فتيات بلدي الدموع الحارقة الحارة واستبدلن مساءات الإحباط وصباحات البكاء، ورفعن رؤوسهن قليلاً، فلم تعد عيونهن تطيق النظر لشيء ووجوههن كسرتها تجاعيد البطالة. سأبدأ من نقطة الصفر قبل 19 عاماً، لماذا فتحنا مقاعد القبول للطالبات، هل كان الهدف إسكات من يطالب بمقعد قبول أم سد لاحتياج فعلي تم ملؤه بعد ذلك بالأقرب فالأقرب، وبمن ليس مؤهلاً على حساب المستحق، إن كانت الأولى فشكراً للتخطيط والدراسات والنظرة المستقبلية التي نحسد عليها، مادامت كانت هذه النتيجة، وإن كانت الثانية فويل لمن أسهم في ذبول هذه الوردات الوطنية وجرحهن جرحاً غائراً لا بد أن يعالج فوراً، وإن كان هذا الجرح بمثابة طعنة خنجر ونحن بالعلاج نسحب فقط هذا الخنجر من الجرح الذي عاش 19 عاماً كاملة. لماذا نعجز عن قضايا محلية شائكة وملتهبة؟ هل لأن الآذان لا تنصت للأصوات التي بحت من طول ما هي تنادي وتصيح وتبكي، لا باب مفتوح يستقبلهن، ولا وعد صادق يتلقونه، بل هن ما بين وعود كالسراب وسنين تشبه الموت، إن لم تكن أقسى، فالموت يأتي سريعاً ومفاجئاً، والوظيفة ربما عمرها يقارب عمر أحد أبناء النساء المنتظرات. أنا متأكد من أن هناك سبباً وقف دون توظيف هؤلاء الخريجات، ولو علموا به لدفنوا انتظارهن في أقرب مقبرة، ووراء السبب، وهو الأهم، «متسبب» لم يأبه لهن لعمى أو صمم أو عجز وغياب رقابة ومحاسبة، وسأقسم أنه لا أحد يحتفظ بملف قضية خريجات دبلوم الكلية المتوسطة من صنّاع القرار لهن وإحدى بناته أو قريباته من ضمن هؤلاء، هن في الذمة وأحمل رسالتهن تحت أمانة القلم، ولعل الفرج، ولو بالتدريج، هذا إن كان العدد كاملاً لا يزال على قيد الحياة. [email protected] @akalalakl