الفضيحة كانت مدوية، أو كما يقال في مصر كانت فضيحة بجلاجل. القناة الإخبارية ذات نسب المشاهدة العربية الواسعة دعت عدداً كبيراً من المسؤولين العرب إلى ندوة تلفزيونية مصورة ومنقولة على الهواء مباشرة لفتح الملفات العربية التي يئن تحت وطأتها الملايين من المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج. عشرة ملفات قررت إدارة القناة التحريرية اختيار خمسة منها اعتبرتها الأكثر حساسية للمناقشة العلنية. الفساد والديكتاتورية والتعليم والغذاء وحقوق الإنسان. وسرعان ما أعلنت القناة لمشاهديها عبر الشريط الإخباري الراكض أسفل الشاشة، أنها – للمرة الأولى والأخيرة – ستكسر القواعد الأخلاقية والمهنية الإعلامية، ولكن مبررها في ذلك هو المصلحة العامة. فقد ثبت جهاز صغير خلف كل مسؤول هو النسخة الأصغر والأحدث لأجهزة كشف الكذب التي صممت بحيث تصدر أضواء ملونة أشبه بجرس إنذار سيارات الإسعاف، ولكنها لا تظهر إلا للمشاهد على الشاشة، كلما كذب المسؤول، وتزيد حدة الألوان وتتسارع حركتها كلما كانت الكذبة أكبر وأفظع. وبدأت الندوة. سئل مسؤول دولة عن أسباب تردي مكانة دولته في قائمة الدول الأكثر فساداً من الترتيب 180 إلى 182 (عدد الدول الأعضاء في الأممالمتحدة 194 دولة)، فقال بثقة: «تلك مؤامرة من الخارج لتقويض شأن دولتنا. وهذا هو تقرير مكافحة الفساد الوطني الذي يؤكد أن الفساد في بلادي بات يحتاج إلى منظار مكبر لرؤيته». هنا انطلق الجهاز مصدراً أنواراً تتحرك يميناً ويساراً. ثم انتقل المذيع إلى مسؤول آخر سائلاً إياه حول موقف حكومته من المعارضين، وجاءت الإجابة معلبة سابقة التجهيز: «هذه قلة منحرفة لا تهدف إلا إلى تقويض الوطن». مرة ثانية انطلقت الأضواء الصادرة عن الجهاز، ولكن بسرعة أعلى. وانتقل المذيع إلى مسؤول ثالث يسأله عما أصاب التعليم في بلاده، فسارع المسؤول الى القول أن «عجلة إصلاح التعليم تحركت ولن تتوقف ولو كره الكارهون»، مشدداً على أن نظام التعليم في بلده صار قدوة تحتذى. هنا لم يتمالك الجهاز نفسه، إذ أطلق ومضات ضوئية أقرب ما تكون إلى البرق. وتوجه المذيع سريعاً إلى مسؤول رابع يسأله عما يقال عن أن الغذاء في بلده فاسد، فامتعض المسؤول، وأخرج من حقيبته رغيف خبز وصحناً من الخضراوات والرز والسلطة، وقال: «لن أرد. فقط سآكل الأكل الذي يأكله إخواني وأبنائي في بلدي». وأخذ المسؤول يأكل بشهية حسده عليها الجميع، لولا صدور ضوء مشع من الجهاز المثبت خلفه سلط على الكلمات المحفورة على الصحن والملعقة «فندق رويال ألبرت». وحان موعد السؤال الأخير الذي كان من نصيب المسؤول الخامس. كيف تصنفون تعامل الجهاز الأمني في دولتكم. وما إن فتح المسؤول فمه وقال: «دولتنا هي حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان هي دولتنا»، حتى انفجر الجهاز المثبت خلفه متسبباً في إصابة الجميع بحال هلع ورعب، كما أدى إلى استيقاظ المشاهد الغارق في نوم عميق تحت وطأة الحر والرطوبة وأشياء أخرى تؤدي إلى أحلام وكوابيس وتخاريف!