ثمة أماكن على رغم طبيعتها المشبعة بالمحلية، إلا أنها تؤثر في صناعة الأحداث العالمية، وتكون بموجب ما يصدر عنها من قرارات مقصداً دولياً مهماً. أحد هذه المواقع «روضة خريم»، التي تتطلع إليها أنظار السياسيين والمحليين والإعلام الدولي في بداية الربيع كل عام. وأهميتها ليست نابعة من ربيعها الممتد كشريط أخضر يعانق السماء، بل في كونها مقصداً لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كل عام. بمجرد أن يحل بها، تتحول أنظار العالم كافة تجاهها، في انتظار ما يصدر من قرارات، أو تلمساً لمن سيزورها من قادة وزعماء العالم. وإذا كانت «روضة التنهات» التي تبعد 185 كيلو متراً «شمال شرقي» العاصمة الرياض، لعبت دوراً مهماً في التاريخ السعودي، إذ كانت مقصداً للمؤسس الملك عبدالعزيز، وشهدت في نيسان (أبريل) 1940 توقيع اتفاق بين المملكة والعراق لحل إشكالية ما عرف وقتها بقضايا العشائر القاطنة على حدود البلدين، أثناء زيارة وفد عراقي برئاسة وزير خارجية بغداد نوري السعيد. فإن «روضة خريم» التي افتتحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كانون الثاني (يناير) 2005 عندما كان ولياً للعهد، شهدت أيضاً زيارات متكررة لقادة وزعماء العالم، بداية من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (الأب)، وخلفه بيل كلينتون، مروراً برؤساء وزعماء المنطقة العربية والأوروبية، إذ لم يغب الهم العربي والدولي عن خادم الحرمين الشريفين أينما كان، وحيثما حل. «روضة خريم» هذا الشريط البعيد عن الرياض بمسافة 100 كيلومتر، والممتد باتجاه الشمال بطول 25 كيلو متراً وبعرض سبعة كيلو مترات، ويضم في جنباته محمية الصيد ال17 في المملكة، الذي يصب فيه أكثر من 10 أودية مختلفة منها: الرويس، الخويش، المسعودي، مساجدي، وثيلان، والثمامة، والسعيرة، والهشيم، وجريذي، وأبو ركبة» انطلقت منه في كانون الأول (ديسمبر) 2008 إدانة شديدة اللهجة من خادم الحرمين الشريفين للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ووجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز منه نداءً دولياً يطالب دول العالم بالتحرك لنصرة الشعب الفلسطيني ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، ودعا بعد أن التقى فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى «ضرورة تحرك المجتمع الدولي لحماية الشعب الفلسطيني، وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة على ترابها الوطني، وعاصمتها القدس، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية». وأكد عباس بعد اللقاء أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أبدى انزعاجه الشديد من الاعتداء الإسرائيلي، وما خلفه من خسائر في الأرواح والممتلكات الفلسطينية. إن ناموس الكون في سنته أن تتوالى على الأرض فصول أربعة متباينة ما بين ربيع وخريف وصيف وشتاء، إلا أن ناموس السياسة يقيض الله فيه من البشر من يؤسس لربيع إنساني جديد، ينتصر فيه للحق، ويكون دائماً ملاذاً بعده لكل ضعيف، ونصرة لكل خائف، ومن بين هؤلاء عبدالله بن عبدالعزيز، الذي يقود المملكة نحو ترسيخ مبادئ أخلاقية في السياسة، غابت عن المشهد الدولي في كثير من الأحيان، إلا أنها لم تغب عن مشهده. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد وصل إلى روضة خريم أول من أمس.