تعمل الحكومة الجزائرية في إطار معركتها ضد الإرهاب على الإقتراب أكثر من السكان في أرياف منطقة القبائل، عبر ضخ أموال لمساعدة المزارعين والعائلات في إطار برامج تنموية مختلفة. ويتلقى معظم السكان هذا الدعم المالي بقبول واسع كونه يساعدهم على إحياء النشاط الإقتصادي في منطقة لا يُعرف عنها سوى أنها تؤوي النواة الصلبة ل «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». وتروج الحكومة الجزائرية عبر أرياف البويرة (120 كلم شرق العاصمة) لخطط لدعم المزارعين في الريف من أجل إعادتهم إلى مقرات سكنهم الأصلية بعدما رحلوا عنها مجبرين في النصف الثاني من التسعينات بفعل تزايد وتيرة «المذابح» التي تستهدف القوات النظامية وسكان الأرياف بما في ذلك الشيوخ والأطفال من دون تمييز في كثير من الأحيان. وأنشأت السلطات في الجزائر برامج أطلقت عليها «الدعم الفلاحي». وفي قرية «الحاكمية» جنوب البويرة حيث يرقد ضريح الزعيم الافريقي «طاكفاريناس»، يقول شيخ في نهاية عقده السادس: «لقد عدنا بعدما غادرنا القرية لسنوات». ويقول «أبو سفيان»، وهو رب عائلة تتألف من عدد من الأبناء والأحفاد، ل «الحياة»: «كانت العودة صعبة والخوف يسكننا إلى اليوم، إلا أن الأمور تغيّرت كثيراً». ويشير بإصبعه إلى قمة جبل بدت الأعلى بين قمم أخرى تقترب من جبال «تيكجدة» الشهيرة: «هناك استشهد ثلاثون مجاهداً في الثورة (ضد الفرنسيين) ... وللأسف الإرهابيون قتلوا هناك أيضاً كثيراً من أبناء القرية من المسلمين». وتتنوع برامج الدعم للسكان المحليين بين توزيع عشرات رؤوس الأغنام، أو تقديم أموال ل «البناء الريفي» لتشجيع عودة «النازحين»، أو تسهيلات ل «استصلاح الأراضي» عبر مساحات أرض بور تمتد إلى غاية سهوب بوسعادة في الجنوب. وتغيب عن «الحاكمية» التي كان يسمّيها مجاهدو الثورة ب «المرة» كونها كانت منطقة مرور ل «جيش التحرير»، المشاريع الإقتصادية البارزة عدا مجمع للاسمنت كان مملوكاً لشركة مصرية باعته بعد ذلك إلى مجمع فرنسي، ما أدى إلى تسريح عشرات العمال. وفي ظل غياب هذه المشاريع لتشغيل الشبان، ينحصر نشاط السكان المحليين بالعمل في قطاع الفلاحة في مناطق جبلية لا تطأها في الغالب سوى أقدام عناصر الفرع المغاربي لتنظيم «القاعدة». ويقول ل «الحياة» قائد الناحية العسكرية التي تنتمي إليها هذه المنطقة بحسب تقسيم الثورة الجزائرية لخضر بورقعة الذي خاض معارك كثيرة ضد الفرنسيين في المنطقة: «هناك ممرات جبلية كثيرة وشاسعة وجبال وكازمات (كهوف)، وليس من السهل تتبع آثار المسلحين في هذه المنطقة». وتنتشر في «الحاكمية» أو في «سور الغزلان» على بعد 10 كلم منها في اتجاه «تابلاط» نحو العاصمة الجزائرية أو البويرة، وحدات عسكرية عدة تظهر وسط بنايات فرنسية قديمة هجرها السكان ويتم استغلالها لتثبيت الأمن وزرع الحواجز الأمنية في المنطقة التي كانت تشهد «حواجز مزيّفة» يقيمها المسلحون. لكن تقارير أمنية تؤكد أن هذه الحواجز تقلّصت الآن وباتت لا تُنفّذ سوى في جبال ياكورن في تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة) أو بعض الطرق المجاورة. ويؤكد مسؤول في المجلس البلدي لدائرة سور الغزلان: «الوضع جيد أمنياً ... لقد تحسّن كثيراً. لكن الوضع الإقتصادي يحتاج إلى ضخ مزيد من البرامج». وفي جو حار فاق ال 45 درجة مئوية، أول من أمس، خلت شوارع المدينة الصغيرة من الحركة إلا من شاحنات كبيرة كانت تنقل صفائح الإسمنت، في حين توزّع شبان عاطلون عن العمل في مقاهيها. ويروي «الهادي»، وهو شاب في العشرينات من عمره تصلّبت عضلاته من عمله الفلاحي في مزارع خاصة: «نقضي الصيف هنا في المقاهي ... العمل موسمي ولا يكفي مدخوله». ويزيد: «كلّنا يفكّر في الهجرة، لا يهم إلى أين، حتى العاصمة الجزائرية قد تنفعنا وليس لزاماً أن نهاجر إلى أوروبا». وتخشى السلطات أن تؤثر الأوضاع الإجتماعية للشباب على الوضع الأمني حيث يمكن أن تمتد إليهم «أيادي» الأشخاص الذين يعملون لتجنيد مؤيدين لمصلحة «القاعدة». لكن التقارير الأمنية تشير إلى تقلّص رقعة التجنيد وسط المراهقين بسبب «سقطات» التنظيم المسلح نفسه إثر إعتداءات استهدفت مدنيين ورفض أسلوبه من قبل كثير من العلماء السلفيين. وتشن قوات أمنية في جبال الأخضرية بالبويرة حملات عسكرية يتابعها السكان المحليون مباشرة، وكان بادياً إندلاع حرائق في أعالي جبل «بوزقزة» يُعتقد أنها نتجت عن قصف جوي استهدف مجموعة مسلحة فجّرت قبل ثلاثة أيام قنبلة تقليدية في المكان. ويرى أمنيون أن «المعركة» التنموية للمنطقة سيكون لها أثر بالغ في حسم «الحرب على الإرهاب».