منذ الصباح الباكر كان السؤال على كل وسائل الإعلام الفرنسية: هل ستبث «الجزيرة» الشريط أم لن تبثه؟ هي، أي المحطات الفرنسية الخاصة منها أو المملوكة للدولة، العامة منها والإخبارية، قررت عدم البث، «احتراماً للجمهورية ولذوي الضحايا» وكي لا يبدو عرض الفيلم وكأنه «تمجيد للارهاب». الشريط المصور وصل بالبريد إلى مكتب «الجزيرة» في باريس، وكان صوره محمد مراح قاتل المظليين الفرنسيين الثلاثة والصغار اليهود الثلاثة ومعلمهم في تولوز. وفي حديث هاتفي خص به «ب اف ام» الاخبارية صباح الثلثاء، وصف مدير مكتب «الجزيرة» في باريس الشريط بأنه توليف مدته 25 دقيقة لعمليات القتل بترتيبها الزمني سمعت فيه طلقات النار وأصوات مرتكب الاعتداء وصراخ الضحايا، وأضيف إلى هذه المشاهد المريعة تصوير لساحات قتالية وانشاد ديني وتلاوة للقرآن الكريم. ما إن أُعلن أن شريطاً كهذا بحوزة «الجزيرة» حتى انشغلت المحطات، الإخبارية منها، خصوصاً، بالخبر الذي احتل العناوين الأولى على مدى النهار مع إبراز لرد فعل الرئيس الفرنسي الذي طالب كل المحطات الفرنسية بعدم بث هذا الفيديو تحت أي ذريعة. بخلاف الفيديو الأول الذي يظهر فيه محمد مراح ضاحكاً وهو يلهو بقيادة سيارة في ساحة خالية، لم يتهافت أحد على «القاعدة تهاجم فرنسا» عنوان الفيديو الجديد الذي أثار استياء عاماً. اختلف كذلك أسلوب التوصيل والجهة المرسل إليها، ففي حين عرض مجهول على «فرانس 2» مقابل عشرة آلاف يورو الفيديو الأول الذي يظهر صورة المشتبه به (حينها) للمرة الأولى بعد الاعتداءات، أرسل مجهول الفيديو الثاني بالبريد إلى «الجزيرة». التلفزيونات الفرنسية التي انشغلت طوال الأسبوعين الماضيين بكل ما يتعلق بالاعتداء وبمنفذه، بحيث طغت أخباره على تغطية نشاطات مرشحي الرئاسة، بدت الثلثاء متفقة على عدم بث ما اعتبر هنا شريطاً مروعاً استفزازياً وتحريضياً. وحسناً فعلت «الجزيرة» بقرارها عدم البث، وإن بعد تردد وإعلان أولي صدم المراقبين في فرنسا حين لوحت بعدم استبعاد البث. فسواء جاء القرار لتنافي الفيديو «مع ميثاق الشرف المهني وفظاعة مشاهده»، كما أعلنت «الجزيرة» في قطر، أو «لعدم وجود أخبار إضافية فيه لم تكشف قبلاً للجمهور» كما صرح مكتبها الباريسي، أو بسبب الضغوط والتهديد بالتشويش في حال عرضه في فرنسا، أو لأسباب أخلاقية واحتراماً لمناشدة أمٍ من أهالي الضحايا... فإنه أنقذ سمعة «الجزيرة» التي كانت لتتأثر بالتأكيد في ما لو قررت عرضه. وحين بث «النبأ العاجل» أسفل شاشة «ب اف ام» الإخبارية عن قرار «الجزيرة» عدم البث، بعد انتظار دام نصف النهار، بقي النبأ «عاجلاً» ومعلقاً بهذه الصفة أكثر من نصف ساعة على الشاشة. لا ندري إن كان هذا فرحة بالخبر أو مفاجأة به أو مجرد عطل تقني!