لم يلق صدى طيباً اعلان البابا بنيديكتوس السادس عشر أن توزيع الواقي الذكري غير مفيد في مكافحة فيروس نقص المناعة، وأن الواقي يفاقم انتشار الفيروس في أفريقيا. وعلت أصوات المحتجين على تصريحات البابا، والمنددين بها. ونشرت صحيفة «فيليدلفيا انكوايرر» رسماً كاريكاتورياً اعادت نشره صحيفة «ذا بوست» يظهر البابا يبارك المرضى والمحتضرين بإفريقيا مردداً عبارة: «بورك المرضى، بوركوا لأنهم لم يستخدموا الواقي الذكري». والحق أن أبحاثاً ميدانية خلصت الى ما ذهب اليه البابا. وعليه، يكون البابا مصيباً في رأيه. ونتجنب نحن، الليبراليين الناشطين في جمعيات مكافحة مرض الايدز وفي الترويج لسياسات التخطيط الاسري، تناول هذه المسألة ومناقشتها. فالواقي الذكري هو رمز تحرر المرأة، ورفع قيد الحبل عنها. ولكن ما ساقه البابا يصح في الدول الأفريقية دون غيرها من الدول. في 2003، لم تجد دراسة نورمن هيرست وساني شان من جامعة كاليفورنيا، وهي دراسة أعدت لبرنامج الاممالمتحدة لمكافحة الايدز، مؤشراً الى اسهام الواقي الذكري في الحماية من انتقال عدوى فيروس «الايدز» بإفريقيا. فتبرّأ برنامج الاممالمتحدة من الدراسة. واضطر الباحثان الى نشر عملهما في مجلة «فاميلي بلانينغ». ومنذ 2003، نُشرت مقالات كثيرة في مجلات علمية رائدة، على غرار «لانست» و «سيانس»، تناولت فشل استخدام الواقي الذكري في كبح انتشار فيروس نقص المناعة على نطاق واسع في افريقيا. وعلى خلاف إفريقيا، نجحت حملة الحث على استخدام الواقي الذكري في تايلندا وكمبوديا في لجم انتشار فيروس «الايدز». وتنتشر في هاتين الدولتين سياحة البغاء. وأفلحت الحكومة في إلزام زوار المواخير والعاملين فيها استخدام الواقي الذكري. ويفترض أن لجم تفشي فيروس «الايدز» يترتب على الترويج لاستعمال الواقي الذكري، وأن هذا الافتراض يصح في أنحاء العالم كلها. ولكن هذه النظرية لم تثبت صحتها بأفريقيا. وثمة عوامل كثيرة وراء هذه النتيجة. وأبرزها أن الناس يميلون الى ترك استخدام الواقي الذكري مع شركاء علاقة مستقرة. ففي مثل هذه العلاقات، يوحي استخدامه بانعدام الثقة في الشريك. ولكن هذا النوع من العلاقات هو بؤرة عدوى فيروس نقص المناعة بأفريقيا، في حين أن بؤرة هذه العدوى، في بقية البلدان، هي قطاع العاملين في البغاء والمدمنين والمثليين. وفي أكثر من بلد افريقي، يميل الناس الى الارتباط بأكثر من شريك جنسي في وقت واحد. وظهر في دراسة ميدانية ببوستوانا (جوب أفريقيا)، لاحظت أعلى معدلات انتشار عدوى «الايدز» في العالم، ان 47 في المئة من الرجال و17 في المئة من النسوة أقاموا علاقة جنسية ثابتة مع شخصين أو أكثر في عام واحد. وهذه العلاقات المتعددة هي في مثابة شبكة عنكبوتية ضخمة يتفشى فيها فيروس «أتش آي في». ودلت دراسة في مالاوي، لا يزيد فيها عدد الشركاء عن اثنين، الى أن مثل هذه الشبكة تربط بين ثلثي السكان. وفي مثل هذه الظروف، قد يكون الحل هو الدعوة الى الاقتصار على شريك واحد. وفي الثمانينات، دعا برنامج أوغندي محلي لمكافحة انتشار الايدز الى الالتزام بشريك واحد، أو الوفاء لأكثر من زوجة، ورفعت الحملة شعار «لوفينغ فيثفولي» (الحب الوفي أو الامين). وأتت الحملة ثمرة جيدة. * معلق، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 29/3/2009 إعداد م. ن.