تحرص كثير من الدول اليوم في عصر العولمة على تطوير أنظمتها وخصوصاً فيما يتعلق بالقطاع التجاري سريع التطور والحركة مقارنة بقطاعات أخرى. لذلك تعمل كثير من الدول على تطوير دائم ومستمر للقوانين التي تحكم هذا القطاع وخصوصاً نظام الشركات. بناء على ذلك، قامت كثير من الدول بوضع آلية تحمي من خلالها المساهمين المالكين لهذه الشركات والذين قد يصل عددهم إلى مليون أحياناً، مع عدم إمكان مشاركة معظمهم أو حتى علمهم بالطريقة التي تدار بها أموالهم. لذا نص نظام الشركات في كل مكان على تعيين مجلس إدارة منتخب يشرف على تنفيذ أعمال الشركة ويتخذ القرارات المهمة المتعلقة بها. ووضع آلية تحدد الصلاحيات وطرق إدارة الشركة لتوفير الحماية للمساهمين، وبخاصة حماية شريحة كبيرة من المساهمين في الشركات والذي يطلق عليهم مصطلح صغار المساهمين. وهم هؤلاء المساهمون الذين يملكون أقل من 50 في المائة من رأسمال الشركة سواءً أكانوا أفراداً أو مجموعات، وهم الذين لا يمارسون أي دور فعال في الشركة، ولا يشاركون في إدارة الشركة واتخاذ قراراتها والتي قد تؤثر سلباً على أموالهم. خصوصاً إذا ما كانت تلك القرارات من شأنها أن تعمل لمصلحة بعض كبار المساهمين فقط من دون غيرهم أو من دون مصلحة الشركة وباقي المساهمين مما ينتج عنه ضرر يقع على الشركة، وبالتالي بأموال المساهمين. لذا كان موضوع تعزيز حماية صغار المساهمين محل اهتمام المُشرع في كثير من الدول ولسنوات طويلة جداً. خصوصاً حق المساهم في اللجوء إلى القضاء، لرفع دعوى المسؤولية بالنيابة عن الشركة ضد أعضاء مجلس الإدارة نتيجة خطأ في قراراتهم وسوء إدارتهم. وإذا ما نظرنا إلى نظام الشركات السعودي الحالي نجد أن النظام قد أغفل هذا الحق إلى حد ما، وإن أعطى بشكل جزئي المساهم الحق في رفع دعوى المسؤولية على أعضاء مجلس الإدارة إذا كان من شأن الخطأ الذي صدر منهم إلحاق ضرر خاص به. كما جاء في المادة 78 من النظام الحالي، إلا أنه من الملاحظ أن هذه المادة، قيدت حق المساهم في رفع دعوى بشرط إلحاق ضرر خاص به من دون الضرر الذي يصيب مصلحة الشركة، لذا نجد أن هذه المادة أو حتى المادة التي سبقتها 77 لم تجز صراحة حق المساهم الفرد في رفع دعوى المسؤولية بالنيابة عن الشركة ضد أعضاء مجلس المديرين، نتيجة إهمالهم أو أخطائهم الإدارية والتي ألحقت أضراراً بمصلحة الشركة وبالتالي بحقوقهم. إن كثيراً من نظام الشركات في الدول الأخرى أعطت هذا الحق صراحة لصغار المساهمين أو للمساهم الفرد، فبريطانيا مثلاً كان هذا الموضوع محل جدل ونقاش منذ عام 1844 وهو ما يعرف ب(The Rules of Foass v Harbottle). وهي في الأصل عبارة عن قضية رفعها بعض صغار المساهمين في شركة على أعضاء مجلس الإدارة نتيجة عمل صدر منهم وضر بمصلحة الشركة وأموالها، وانتهى الحكم فيها إلى أن الذي يحق له رفع مثل هذه الدعوى هي الشركة نفسها من خلال إجراءات متعارف عليها نظامياً، وأنه لا يجوز لبعض صغار المساهمين رفع مثل هذه الدعوى بالنيابة عن الشركة، إلا إذا كان هناك استثناء على القواعد المتعارف عليها تجيز لهم رفع مثل هذه الدعوى بالنيابة عن الشركة بصفتهم مساهمين فيها أو أعضاء فيها. ومن هذه الاستثناءات ما كان في حال صدور عمل غير قانوني من المدراء أو وجود غش وتدليس وقع على بقية المساهمين، وأضر بمصالح الشركة، وقد استمر النقاش حول أحقية صغار المساهمين في رفع دعوى المسؤولية ضد مجلس الإدارة والمدير التنفيذي حتى صدر نظام الشركات البريطاني الجديد في 2006 (Companies Acts) والذي أجاز في مواده رقم «260-264» لصغار المساهمين رفع دعوى المسؤولية. وفي المادة 994 أيضاً تحت ما يعرف ب(Unfair Prejudice)، بل إنه تحت هذه المادة يحق للمساهم رفع دعوى المسؤولية على أعضاء مجلس الإدارة نتيجة خطأ صدر منهم في الماضي أو صدر في الوقت الحاضر أو حتى سوف يصدر في المستقبل ومن شأنه أن يضر بمصلحة الشركة والمساهمين فيها. على رغم أن إقرار مثل هذا الحق لصغار المساهمين لم يُترك عبثاً، مما يؤدي إلى اضطراب أعمال الشركة وإشغالها بترك الباب مفتوحاً أمام الجميع لمقاضاة مديري الشركة في أي وقت، لذا حدد نظام الشركات البريطاني كما أشرنا سابقاً وجوب توفر حالات معينة منها الغش والتدليس والإهمال والتقصير والخطأ. لكن المهم هو وجود مثل هذا الحق لصغار المساهمين والذي يجيز التقدم للمحكمة لرفع دعوى المسؤولية ضد أعضاء مجلس إدارة الشركة. وهناك دول مثل أميركا و كندا وأستراليا ونيوزيلندا تطبق هذه النظام و تعطي مثل هذا الحق وفق ضوابط وشروط معينة، ووجود مثل هذا الحق يعزز من دور الرقابة القضائية على الشركات، إضافة إلى أن هذا سيؤدي إلى تقوية نظام الشركات ويجعله متوافقاً مع المعايير الدولية في هذا الشأن، ما يعود بالفائدة على المناخ التجاري والاستثماري في البلد و يجعل الأنظمة التجارية أكثر وضوحاً للمستثمر الأجنبي. كما وأن هناك كثيراً من الدول وفقاً لإحصائيات (2008-2009 / Doing Business) أخذت بهذا النظام وعملت على تعزيز حماية صغار المساهمين في نظامها، لأجل تطوير نظام الشركات الخاص بها وجذب الاستثمارات الأجنبية. لذا من الضروري الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، إذ إن هذا يساعدنا في حل الكثير من المشكلات التي تواجهنا في هذا الخصوص في ظل تعثر وإيقاف بعض الشركات المساهمة. عليه فنحن نأمل من وزير التجارة الجديد الدكتور توفيق الربيعة، وهو من المتحمسين للتحديث والتطوير الاهتمام بهذا الجانب، وإيجاد الطرق الناجعة لتقوية حماية صغار المساهمين، العمل على أن يكون النظام الجديد متماشياً مع المعايير الدولية بهذا الخصوص. قانوني وكاتب سعودي. [email protected]