أظهرت الجلسة المشتركة الأولى لغرفتي البرلمان المصري (مجلسي الشعب والشورى) لتشكيل الجمعية التأسيسية التي ستكلف وضع دستور جديد للبلاد، خلافات جمة بين الكتل السياسية في شأن نسبة تمثيل أعضاء البرلمان فيها. وفي حين أبدت القوى الإسلامية صاحبة الغالبية البرلمانية رغبة في تمثيل واسع للنواب، ومن ثم ضمان سيطرتها على الجمعية، فضَّلت القوى المدنية الليبرالية منها واليسارية أقل تمثيل ممكن للنواب فيها وفتح الباب أمام مشاركة أوسع للخبراء والاختصاصيين من خارج البرلمان. وانتهى الاجتماع إلى تشكيل لجنة تتكون من اللجنتين العامتين في غرفتي البرلمان (اللجنة العامة في كل مجلس تضم رئيسه ووكيليه وممثلي الهيئات البرلمانية للأحزاب ورؤساء اللجان النوعية و5 أعضاء من المستقلين) لجمع الاقتراحات في شأن تشكيل الجمعية من المؤسسات المختلفة وترتيبها، وإعداد مذكرة بها تُوزَّع على النواب منتصف الأسبوع المقبل، على أن يُعقَد اجتماع مشترك ثان لغرفتي البرلمان في 17 آذار (مارس) للاتفاق على آلية تشكيل الجمعية بعد درس مختلف الاقتراحات، ثم إمهال القوى السياسية والمجتمعية والمؤسسات أسبوعاً لإعلان ترشيحاتها، على أن يجتمع البرلمان بغرفتيه في 24 آذار (مارس) لانتخاب الجمعية. وسعى حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، صاحب الأكثرية في المجلسين إلى طمأنة الأقلية إلى نيته عدم الاستئثار بعملية إعداد الدستور. واقترح انتخاب 40 من نواب البرلمان ضمن أعضاء الجمعية التأسيسية. أما حزبا «النور»، وصيف «الحرية والعدالة» في غرفتي البرلمان، و «الأصالة» السلفيان فطلبا أن تُشكل الجمعية في غالبيتها من نواب البرلمان، واقترحا أن تضم 60 نائباً، ووصل حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، إلى حدِّ المطالبة بأن تضم الجمعية 70 نائباً. وشددت القوى الإسلامية على ضرورة مراعاة «التمثيل النسبي» عند تحديد أنصبة الكتل البرلمانية في تشكيل الجمعية التأسيسية. وتفرد حزب «الوسط» بتأكيده «ضرورة تغليب مبدأ الشورى لا الغلبة»، وتفضيله تمثيلاً ضعيفاً للنواب. في المقابل، طالبت القوى الليبرالية واليسارية ب «تغليب مبدأ الكفاءة». وأظهرت تفضيلاً للحدِّ من تمثيل النواب في الجمعية، حتى إن حزبي «المصريين الأحرار» و «التحالف الشعبي الاشتراكي» طلبا ألا تضم الجمعية أياً من أعضاء البرلمان وتشكيلها كلها من خارجه، فيما اقترح الحزب «المصري الديمقراطي الاجتماعي» ألا يزيد عدد النواب ضمن أعضاء الجمعية عن 25. واقترح «الإصلاح والتنمية» أن تضم 30 نائباً فقط. ولم يحدد حزب «الوفد» نسبة لتمثيل النواب في الجمعية التأسيسية. وشدد نواب محسوبون على التيار الإسلامي في كلماتهم على ضرورة الحفاظ على «هوية مصر الإسلامية» في الدستور الجديد. وستكلف الجمعية التأسيسية بوضع الدستور الجديد خلال 6 أشهر من تاريخ تشكيلها وفق الإعلان الدستوري. وغاب رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير حسين طنطاوي عن الجلسة المشتركة للنواب المنتخبين في غرفتي البرلمان (678 نائباً) التي مرت بهدوء، لكنها لم تخل من مناوشات محدودة بين النواب. وبدأت الجلسة بالسلام الوطني ثم وقف النواب دقيقة حداداً على أرواح شهداء الثورة. واعتلى رئيس مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) سعد الكتاتني ورئيس مجلس الشورى (الغرفة الثانية) أحمد فهمي، وكلاهما من «الحرية والعدالة»، المنصة الرئيسة في قاعة مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات في حي مدينة نصر. وأكد الكتاتني الذي ترأس الجلسة أن «لا محاباة في اختيار أعضاء الجمعية»، وشدد على ضرورة أن تمثل أطياف الشعب كافة. وقال: «لن نمارس أي استثناءات في عملنا، ولن نحابي أي فرد على حساب الآخرين لأننا ندرك أن مصدر كل قيمة وقوة وهو العدالة والمساواة بين المواطنين»، مشدداً على «ضرورة مراعاة عدالة تمثيل مختلف أطياف الشعب في تشكيل الجمعية بغض النظر عن وزنها الانتخابي أو تنظيمها الحزبي لتضم ممثلي القوى والتيارات». وأشار إلى أن «الجمعية التأسيسية ستستقل بوضع قواعد وإجراءات عملها وستراعي مبادئ العلانية وعقد جلسات استماع للتواصل مع شرائح المجتمع وتوثيق أعمالها ونشرها»، معرباً عن أمله في «أن تعبر وثيقة الدستور المرتقب عن أهداف ثورة 25 يناير». وسعى إلى طمأنة الأقلية، فأكد أن «الدساتير دائماً توضع عبر التوافق المجتمعي، وبالمشاركة من دون مغالبة، أو ادعاء أكثرية أو حزبية». وسرد أساليب وآليات وضع دساتير مصر المتعاقبة. وحرص على تحية الجيش «الذي احتضن الثوار، وحافظ على المؤسسات، وسهر على أمن الوطن، وحرر الإرادة». ثم تحدث رئيس مجلس الشورى، فطالب النواب بأن «يكونوا على مستوى التطلعات، وما قدَّمه أبناء الشعب من تضحيات بعد الثورة». ودعا إلى «ضرورة تنحية الخلافات السياسية والحزبية والتحلي بالمسؤولية في اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية». وعرض ممثلو الكتل البرلمانية المختلفة اقتراحات أحزابهم في شأن تشكيل اللجنة. وقال رئيس الهيئة البرلمانية ل «الحرية والعدالة» حسين إبراهيم إن حزبه «يقترح أن تضم الجمعية 40 عضواً من البرلمان و60 عضواً من الخارج، بواقع 30 من الشخصيات العامة و30 من الهيئات المختلفة». وأكد استعداد حزبه «للتعاون مع الجميع لتعبر الجمعية عن كل أطياف الشعب سواء من داخل البرلمان أو من خارجه». واقترح ممثل حزب «النور» السلفي مصطفى خليفة أن تضم الجمعية التأسيسية 60 عضواً من نواب البرلمان و20 من ذوي الكفاءات و20 من «قوى المجتمع». واتفق مع إبراهيم في «تشكيل لجنة مصغرة من مكتبي المجلسين (يضمان رئيسي المجلسين ووكيليهما) لتلقي الاقتراحات كافة في شأن الدستور وتصنيفها وعرضها على الاجتماع القادم للنظر فيها». وطالب ممثل حزب «الوفد» محمود السقا بأن «تمثل كل طوائف المجتمع في الجمعية، وعلى رأسها فقهاء القانون الدستوري، والمرأة، والعمال، والفلاحون، والكنيسة». أما ممثل حزب «البناء والتنمية» صابر حسن، فاقترح أن تضم الجمعية التأسيسية 70 نائباً، في حين أكد ممثل حزب «الوسط» عصام سلطان ضرورة مراعاة الكفاءة عند اختيار أعضاء الجمعية، وعدم الارتكان إلى الغالبية في تمرير تشكيلها، مشدداً على «ضرورة تغليب مبدأ الشورى». وأيَّد ممثل «الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي» زياد بهاء الدين تشكيل لجنة مصغرة لتلقي الاقتراحات في شأن الجمعية التأسيسية على ألا يزيد عدد نواب البرلمان فيها عن 25 عضواً، فيما دعا ممثل «التحالف الشعبي الاشتراكي» أبو العز الحريري إلى «النأي بأعضاء البرلمان عن الانضمام للجمعية، إلا من هيئة مكتب المجلسين»، مشيراً إلى أن «الغالبية البرلمانية هي التي ستختار أعضاء الجمعية عبر انتخابهم من ضمن ترشيحات الجهات والهيئات المجتمعية المختلفة من خارج البرلمان». وأكد ممثل حزب «الكرامة» سعد عبود أهمية أن يتم تشكيل الجمعية التأسيسية توافقياً. وأكد وكيل مجلس الشعب النائب عن «النور» أشرف ثابت أن «الجمعية التأسيسية لا بد من أن تكون ممثلة لجميع أطياف وعناصر الأمة، وتعتمد في الوقت نفسه معيار الكفاءة»، في حين قال وكيل المجلس النائب عن «الوفد» محمد عبدالعليم داود إن «الدستور الجديد يجب أن يُنهي السيطرة على العباد، وعملية التوريث، ويُقرّ مبدأ الفصل بين السلطات». وحذَّر ممثل حزب «العدل» مصطفى النجار من أن «دستوراً تضعه الغالبية مصيره السقوط لا محالة لأن هذه الغالبية تتغير والدستور عملية توافقية». وقال النائب المستقل وحيد عبدالمجيد إن «القاعدة الأساسية في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية هي التوافق»، معرباً عن خشيته من «الانشغال بالجمعية التأسيسية أكثر من الانشغال بالدستور نفسه». وشدد على أن «الجمعية التأسيسية وسيلة وليست هدفاً». في المقابل، أكد النائب عن حزب «الأصالة» السلفي ممدوح إسماعيل أن «الدستور يجب أن يعبر عن إرادة الشعب وهويته الإسلامية». ورفض الحديث عن «دستور توافقي». وتحدث نواب عن مخالفة البرلمان المادة 60 من الإعلان الدستوري التي نصت على أن اللجنة التأسيسية تُنتخب من نواب البرلمان، ولم تشر على تشكيلها من ضمن أعضائه. وطالبوا بتفسير من المحكمة الدستورية العليا لهذا النص.