تشهد ولاية جنوب دارفور المتاخمة للحدود مع افريقيا الوسطى وإقليم جنوب السودان استقراراً نسبياً مقارنة بولايتي شمال دارفور وغربها، ما شجع النازحين على العودة إلى ديارهم التي تنقصها الخدمات الضرورية. وبدا لافتاً أن كثيرين من مواطني الإقليم سئموا الحرب وأكدوا أن الأضرار التي لحقت بهم تحتاج إلى عقود كي يتم طيها، لكنهم شكوا من تصاعد المواجهات القبلية التي خلّفت آلاف الضحايا. وشهدت «الحياة» قبل أيام مع مجموعة صحافية عودة نحو 500 أسرة من مخيمي «كلمة» و «دريج» إلى مناطقهم في محافظة بليل (37 كلم شرق نيالا). وكان النازحون المتعبون على متن شاحنات صغيرة في طريقهم إلى قراهم التي دمّرتها الحرب وصارت أرضاً جرداء ويحملون خياماً تقيهم الأمطار التي بدأت تهطل وبعض المعدات الزراعية التي وفّرتها منظمات انسانية وسلطات الإقليم. وقال زعيم قبيلة الداجو التي ينتمي لها معظم النازحين العائدين عبدالرحمن ابو إنهم ذاهبون إلى أرض ليس بها سوى أطلال منازلهم التي غادروها قبل أربعة أعوام. وناشد المنظمات الإنسانية مساعدتهم في تشييد منازل إذ أن الخيام التي يحملونها لن تصمد أكثر من أسابيع. كما دعا السلطات الى تشييد مدارس موقتة حتى لا يُحرم الأطفال العائدون من الدراسة التي كانوا يتلقونها في المخيمات. وكان في حراسة الشاحنات التي تقل النازحين مسلحون يربطون رؤوسهم بعصابات بيضاء عرّفوا عن أنفسهم أنهم ينتمون إلى الشرطة المجتمعية وهم من أبناء المناطق التي قفل اليها النازحون وجرى تدريبهم على حمل السلاح لحماية القرى وتأمين أهلها. ودافع مسؤول عن ذلك موضحاً أن الشرطة المجتمعية نص على انشائها اتفاق أبوجا للسلام، وأن المسلحين صاروا قوة نظامية. وباتت نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، من كبريات المدن في البلاد، إذ أن نتيجة الاحصاء السكاني الأخير كشف أن عدد سكان الولاية أكثر من أربعة ملايين نسمة، أي أنها الثانية في حجم السكان بعد ولاية الخرطوم التي تربطها معها أربع رحلات جوية يومياً عبر أربع شركات طيران. وفي نيالا خدمات مستقرة، ووفرة في السلع على رغم الغلاء. كما يُسجّل انتعاش في الأسواق وخصوصاً في سوق العقارات بفضل المنظمات الأجنبية التي تستأجر العقارات بأسعار عالية لمقارها وسكن موظفيها. ويعتقد مسؤول أمني أن تجار الحرب ومبيضي الأموال وجّهوا أموالهم إلى العقارات التي ارتفعت اسعارها بصورة «خيالية»، بحسب تعبيره. ولكن مع مظاهر الثروة والرخاء فإن مظاهر البؤس تبقى لافتة وسط النازحين. كما يُسجّل اتساع نسبة البطالة عن العمل والفقر مما شجع على استخدام السلاح للنهب والسلب. كما أدى تقسيم المحليات إدارياً وسياسياً إلى تزايد المواجهات القبلية التي أدت إلى مقتل أكثر من ثلاثة آلاف مواطن منذ اندلاع الحرب في الإقليم عام 2003، بحسب ما قال مستشار حاكم ولاية جنوب دارفور ابراهيم عبدالله المسؤول عن المصالحات القبلية. وقال عبدالله إن أفظع نزاع كان بين قبيلتي الفلاتة والهبانية الذي أدى الى مقتل أكثر من 700 شخص، مشيراً إلى أن بعض المواجهات يندلع لاسباب صغيرة مثل سرقة جمل أو حصان. ورأى أن عملية السلام وحدها غير كافية لإقرار الأمن والاستقرار، مشدداً على ضرورة المصالحات القبلية. وقال إنه أشرف على 50 مؤتمراً للصلح والتعايش، موضحاً أن لجنة كلّفها الرئيس عمر البشير بذلك اقترحت توفير 111 مليون جنيه (650 مليون دولار) لتأمين دفع الديات وتعويض الجرحى والخسائر التي وقعت بسبب النزاعات القبلية في ولايات الإقليم الثلاث. وعزا ارتفاع الضحايا في تلك النزاعات إلى تدفق السلاح الحديث الذي صار يفتك بالناس بعدما كانت النزاعات التقليدية تُستخدم فيها الأسلحة البيضاء. وأكد حاكم ولاية جنوب دارفور علي محمود استقرار الأوضاع الامنية في كل ولايته عدا جيوب محدودة للتمرد في جبل مرة، ونشاط لميليشيات تقوم باحتجاجات وعمليات نهب مسلح متفرقة. لكنه قال إن ذلك لم يؤثر على فتح كل الطرق أمام حركة التجارة والمواطنين. واتهم فرنسا بأن لها أطماعاً في دارفور وتدعم رئيس «حركة تحرير السودان» عبدالواحد نور الذي يقيم في باريس. وقال محمود خلال لقائه وفداً صحافياً في نيالا إن حكومته لا تقيّد النشاط السياسي للأحزاب وسمحت للقوى السياسية بممارسة نشاطها لكنها لن تسمح باستغلال العمل السياسي لتهديد الأمن والاستقرار. وكشف رصد السلطات خلايا للتمرد تحاول تسريب أسلحة إلى نيالا وتخابر بعض الأشخاص مع منظمات وجهات أجنبية. وشكا محمود من كساد الثروة الحيوانية وضعف التسويق، موضحاً أن في ولايته 16 مليون رأس ماشية. وأشار إلى أن عدد النازحين في جنوب دارفور يبلغ نحو 450 ألف شخص في المخيمات عاد منهم أكثر من 132 ألفاً إلى 40 قرية تم توفير خدمات المياه والصحة والتعليم. وتوقع عودة 38.769 شخصاً إلى 54 قرية، لكنه قال إن كل قرية في حاجة الى 725 الف دولار لبنائها وتوفير الخدمات التي تمكّن المواطنين من الاستقرار فيها. وفي أديس أبابا (رويترز) أبدت لجنة تابعة للاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس السابق لجنوب أفريقيا ثابو مبيكي امس الجمعة تأييدها لقرار محكمة دولية بتوجيه اتهامات لمسؤولين سودانيين بينهم الرئيس عمر حسن البشير بارتكاب جرائم حرب. وأظهرت توصيات اللجنة خلافات أفريقية مرتبطة باتهامات جرائم الحرب في الصراع الدائر في دارفور. وصوتت قمة الاتحاد الأفريقي في ليبيا الأسبوع الماضي لمصلحة وقف التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في هذه القضية. وقال مبيكي للصحافيين إن لجنته التي تضم ثمانية أفارقة بارزين أجرت مشاورات واسعة النطاق داخل السودان وخارجه. وأضاف: «تم التوصل بالإجماع إلى أن المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يتعيّن مثولهم أمام المحكمة والدفاع عن أنفسهم. المذكرة صدرت ولا يمكن عمل شيء». ووجهت المحكمة الجنائية الدولية للبشير سبعة اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب.