بات أمراً شائعاً مع تسيّد البث الفضائي على معظم مناحي الحياة، ألا تعرف أغنية طريقها إلى الشهرة والناس من دون أن تصوّرها الشركة المنتجة في فيديو- كليب جذاب ومؤثر، وإلا فإن مصير الأغنية نفسه مهدد، ويظل في حاجة إلى مراجعة من قبل المعجبين أولاً، وربما المنتج ثانياً. ما يحيلنا إلى هذه المقدمة هو نوع الغناء السريع الذي بات يحتل العين قبل الأذن، حتى تخرّب بعضها، وحافظ بعضها الآخر على مسافة تقيه شر الصورة ذاتها إن جرى محاكاة بعض ما ينتج في أماكن أخرى، فتأتي ناشزة ومريعة ومقلقة أيضاً، لأنها تستخدم قيماً ليست خاصة بها، ما يفرغ مضمونها ومحتواها، ويفقدها هويتها، وهذا ما يحصل عندنا لبعض هذا الغناء السريع الذي أخذ يهيمن على حياتنا بالتدريج. بعض أصحاب هذا الغناء ممنوع اليوم من المشاركة في مهرجان قرطاج الغنائي، وذلك بقرار من وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك الذي أعلن أن أليسا ونانسي عجرم لن تغنيا إلا على جثته. الوزير الجديد الذي يرى الشر المطلق في غنائهما، يستخدم كلمات عفا عليها الزمن في قرار المنع، وقد تتسع الدائرة لتشمل غالبية المغنيات اللواتي يغنين بطريقتهن، ما يعني أن مبروك يخترع طريقة جديدة في المنع والسماح تذكر بمرحلة بائسة من العهد السوفياتي الآفل، حين كان وزير الدعاية الستاليني أندريه جدانوف ينظّر بطريقة مماثلة ل «ديكاتورية الذوق السليم»، وهي الديكتاتورية ذاتها التي يدعو لها مهدي مبروك من موقعه كوزير للثقافة في تونس. وإذا كان جدانوف قد وصم مرحلة كاملة باسمه وصفت ب «الجدانوفية»، فإننا لا نعتقد أن الوزير التونسي قد يحصل على هذا «الشرف»، فقد أصبح من المحال أن يحارب من موقعه هذا الغناء أو غيره بدعوى المحافظة على الذوق العام، مع انفجار البث الفضائي الرقمي. وإن كنا لا نرى شراً مطلقاً في «الغناء السريع»، فذلك، لأنه يعبر عن عصر وجيل ربما يكون ضائعاً ويبحث عن هوية لن يكون بوسع جدانوف الجديد أو غيره منحها لمن يستحقها أو لا يستحقها، فهذه مسألة معقدة جداً، لأنها لم تعد تقع ضمن صلاحياتهم، وإلا ما معنى أن يبدأ ما يسمى ب «الربيع العربي» من تونس، ولا يكون أصحابه قادرين على البحث عن هويتهم الثقافية في عالم شديد الاضطراب، ويقوم على الابتزاز في كل حدث ثقافي يصدر عنه؟