سُجّل أمس تطور لافت في مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية، إذ أبدت القاهرة غضبها مما سمته «مراوغة» المسؤولين الأميركيين في شأن مناقشة ملف المساعدات العسكرية، ما دعاها إلى الطلب من وفدها العسكري العودة إلى البلاد. ويأتي ذلك في وقت ألقت الحكومة المصرية بورقة التحقيقات التي تجري مع منظمات حقوقية في شأن اتهامات تتعلق بتلقي تمويل أجنبي، في «جعبة القضاء المصري»، وشددت على عدم قبول أي محاولات للضغط أو التدخل في الشأن الداخلي. وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» أنه طُلب من الوفد العسكري العودة إلى القاهرة على خلفية ما وصفته ب «مراوغات» المسؤولين في الولاياتالمتحدة. وأوضحت المصادر: «رُتّب أكثر من موعد لاجتماع الوفد العسكري مع أعضاء في الكونغرس الأميركي لإجراء حوار حول مسألة المساعدات التي تقدمها أميركا إلى مصر ... لكن تم إلغاء تلك الترتيبات وفي كل مرة تخرج تبريرات مختلفة. وبالتزامن مع ذلك تخرج تلويحات على لسان المسؤولين (الأميركيين) بأن واشنطن ستعيد النظر في ملف المساعدات (لمصر)». وأضافت المصادر أن هذه التصرفات الأميركية هدفت إلى «إذلال» الوفد المصري، وهو الأمر الذي دعا القيادة المصرية إلى الطلب من الوفد العودة. وعُلم أن الوفد العسكري غادر واشنطن أمس عائداً إلى القاهرة. وإذ بدت العلاقات المصرية - الأميركية تتجه نحو مزيد من التدهور، حذر أعضاء في مجلس الشعب (البرلمان) من أن خريف العلاقات بين البلدين من شأنه التأثير على مستقبل علاقة مصر بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خصوصاً أن مصر تسعى إلى طلب قروض لسد العجز في الموازنة. وأقرت مصادر مسؤولة بأن العلاقات المصرية - الأميركية تمر في الوقت الراهن بحالة أزمة على خلفية تحويل 43 متهماً على محكمة الجنايات في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات غير حكومية. وبين المتهمين 19 أميركياً أحدهم سام لحود نجل وزير النقل الأميركي. وأقرت وزارة الخارجية الأميركية بأن عدداً من الأميركيين المتهمين لجأوا إلى سفارة بلادهم في القاهرة. وأشارت مصادر مطلعة ل «الحياة» إلى أن الوفد العسكري الذي زار الولاياتالمتحدة اكتفى بإجراء محادثاته «العسكرية المبرمجة» مع عدد من كبار القادة في مقر القيادة المركزية الأميركية في فلوريدا، وقال إن هذه المحادثات تطرقت إلى تدريبات «النجم الساطع» المقرر أن تجرى في خريف العام 2013. وشددت مصادر مصرية مسؤولة على «استقلالية ونزاهة القضاء المصري الذي لا يخضع لأي إملاءات داخلية أو خارجية». وأكدت أن مصر «أصبحت في عهد جديد لا تُملي محدداته سوى طموحات الثورة. إن المصريين يرفضون في شدة أي إملاءات خارجية أو تدخل». غير أن محامي المنظمات الأميركية في القاهرة الناشط الحقوقي نجاد البرعي رفض ما طرحته المصادر المصرية، وأكد ل «الحياة» أن القضية «ذات أبعاد سياسية»، مرجحاً أن يتم طي الملف عبر الحوار بين البلدين. وأعلنت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة ابو النجا أن الفترة من آذار (مارس) إلى حزيران (يونيو) العام الماضي شهدت صرف نحو 175 مليون دولار أميركي على منظمات للمجتمع المدني غير مسجلة ولا مشهرة من جانب الحكومة الأميركية، كما أعلنت عن تحويلات مالية أخرى تم رصدها من جهات وحكومات عربية. وأكدت أبو النجا أمام اجتماع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، أمس، أن حكومة بلادها ليست ضد عمل منظمات المجتمع المدني لكن وفق الضوابط التي يحددها القانون، مشيرة إلى أن مصر فيها 23 ألف جمعية ومنظمة. ولفتت إلى أن العام الماضي شهد تسجيل 4500 منظمة منها 80 منظمة أجنبية بينها 23 أميركية وكلها وضعها قانوني ولا تواجه أي مشاكل. لكن أبو النجا انتقدت مخالفة واشنطن لما تم الاتفاق عليه في شأن برنامج المساعدات. وقالت: «لاحظنا أنه يتم تمويل منظمات غير مسجلة وشركات خاصة»، مؤكدة أن الضوابط «ليست بدعة مصرية بل موجودة في كل دول العالم، بل نحن في مصر لدينا مرونة أكثر من أميركا... ولا توجد دولة في العالم تسمح لدولة أخرى بتمويل منظمات على أرضها تحت عناوين برّاقة مثل الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والديموقراطية وغيرها من وراء ظهرها». واعتبرت أن ما يحدث هو «تصحيح للأوضاع وحماية للأمن القومي المصري وإقرار للسيادة القومية ... فأميركا نفسها تحظّر أي تمويل خارجي وأي نوع من الإنفاق المرتبط بالسياسة».