في عصر العولمة والتقنية الحديثة ووسائل الاتصال الفائقة، بات يغزونا أمر اسمه الحب يستشرى في جميع أنحاء الكون، وهو لا يعرف حدوداً بل يخترق كل الحدود والسدود، فبطلت فكرة أن العين والقلب يحبان بل صارت العين والأذن واليد والروح والعقل وغيرها. وليس من باب السخرية اذا قلنا إنه يمكن ان كل أعضاء الجسم تحب بطريقتها، فقد صار الحب، مِن بُعد ومِن قُرب، سهلاً وسريعاً وفى متناول اليد ورخيصاً جداً، بل أرخص من الذهب والدولار واليورو وبكل الأحجام والمقاسات ولمختلف الأعمار، فلم يعد الشاب يحب بل الأب والجد والعم والخال. الحب، هذا الشعور الرومانسي الراقي الساحر، جعل السحر ينقلب على الساحر، فأصبح المحب أو الحبيب يستبيح لنفسه كل الأعذار دفاعاً عن حبه الطاهر العفيف الشريف. كنا وما زلنا عرضة لغزو فكري وثقافي واقتصادي وحضاري إلى أن وصلنا الى غزو الحب، هذا الوميض المتسلل الى القلوب والنفوس ليأخذها إلى مساحات أخرى غريبة ومصطلحات العشق والهوى والحب والود وخلافه. إن أقل وصف لما نحن فيه هو انهيار النظام القيمي الأخلاقي في مقابل الفوضى والحريات التي تبيح كل شي وتعني لا ضوابط اجتماعية إلى الإدمان على النت والماسنجر وشبكات التواصل الاجتماعي على حساب التواصل العائلي والمجتمعي والوطني. قد تجد شاباً يحب فتاة بواسطة النت وفى الوقت نفسه يرفض أن تحب أخته شاباً على طريقته، اي عبرالنت مثلاً... وقد تجد متزوجة تخون زوجها لكنها في الوقت نفسه لو عرفت ان زوجها يخونها لا تقبل ذلك. إن النتيجة واحدة ومخيفة، عنوانها غزو الحب السريع اللامشروع وعلناً وبكل الوسائل التقنية العالية الجودة، وكأن العولمة أصابت الحب في مقتل وحطمت كل حدوده... لقد انكسر الحب حينما استباح من بعمر الأخ والأب والجد والعم والخال لنفسه هذا الحب وفى الوقت نفسه حرمه على أخته وعمته وخالته وجدته، وباتت الحجج تساق أن الحب لا يعرف عمراً! وقد يكون غزو أميركا للعراق وأفغانستان غزو حب لكنه حب قاتل! ومن المضحك أن أميركا والدول الغربية كانت فى السابق تحب رؤساء وحكومات ليبيا ومصر وتونس وغيرها وأبقتهم سنوات جراء الحب والآن تحب الشعوب وقلبها ينفطرعليهم فرداً فرداً!