وافق مجلس النواب اليمني أمس بالإجماع على نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي مرشحاً وحيداً للإنتخابات الرئاسية المقررة في 21 الشهر المقبل. ولم يسبق للبرلمان منذ تأسيسه ترشيح أي يمني عدا صالح لهذا المنصب. وتزامن قرار مجلس النواب مع تصويت غالبية أعضائه على مشروع قانون معدل يمنح صالح «الحصانة» الكاملة من أي ملاحقة قضائية خلال فترة حكمه، ومنح معاونيه حصانة «جزئية» تقتصر على القضايا ذات الطابع السياسي، بعدما كانت «الحصانة» الكاملة تشمل الرئيس ومعاونيه ومن عمل معه خلال فترة حكمه في مفاصل الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية، غير أن مشروع القانون الأول واجه معارضة عنيفة في الداخل، وانتقادات واسعة في الخارج، ما أجبر الأطراف السياسية على عقد سلسلة من المفاوضات برعاية المبعوث الدولي جمال بن عمر، وسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول خليجية، كان آخرها اللقاء الموسع في منزل هادي الخميس الماضي. وتوافق المجتمعون على تعديل القانون بصيغته التي أقرها البرلمان أمس في جلسة حضرتها حكومة الوفاق الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة الذي لم يتمالك نفسه حين خاطب النواب راجياً موافقتهم على قانون «الحصانة» للرئيس صالح ومعاونيه، وأجهش بالبكاء وهو يردد: «أرجوكم. اليمن في حاجة إلى هذا القانون»، و» كفاية مشاكل. كفاية تشتت» ، وأضاف: «أنا أعرف أن هذا القانون سيعرضني للشتم، لكنني مستعد كل الاستعداد لأضحي بحياتي من أجل هذا الوطن». وينص القانون في مادته الأولى على « منح الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الحصانة التامة من الملاحقة القانونية والقضائية». أما المادة الثانية فتنص على ان الحصانة تكون «من الملاحقة الجنائية لمسؤولين الذين عملوا مع الرئيس في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية في ما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم مهامهم الرسمية، ولا ينطبق ذلك على أعمال الإرهاب». وجاء في المادة الثالثة أن «على حكومة الوفاق الوطني تقديم مشروع قانون أو مشاريع قوانين إلى البرلمان حول المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وفقاً لما ورد في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في فقرتها (ح) من البند (21) بما يرمي إلى تحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية واتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني»، في حين شددت المادة الرابعة على أن « هذا القانون من أعمال السيادة ولا يجوز إلغاؤه أو الطعن فيه ، وتسري أحكام هذا القانون على الأفعال الواقعة خلال فترة حكم الرئيس صالح وحتى تاريخ صدوره». وفي هذا السياق وفي ضوء إقرار «البرلمان» ترشيح هادي للرئاسة، وهو يمني جنوبي، وبعد إقراره قانون «الحصانة» ، بدأ أمس العد التنازلي لتنحي الرئيس صالح عن الحكم الذي استمر 33 عاماً، حفلت بالكثير من المخاضات والمتغيرات السياسية، وشهدت محطات من الصراع على السلطة، والأزمات والحروب الداخلية التي أثقلت كاهل اليمن اقتصاديا، وأرهقته أمنياً، وتعثرت خلالها برامج التنمية وفشلت محاولات عدة لتنفيذ إصلاحات شاملة أمام تفشي ظاهرة الفساد وتنامي مراكز القوى والنفوذ، ما جعل اليمن نموذجاً للدول الأكثر فقراً، في حين أفلت صالح من كل تلك الأزمات وبقي في قمة السلطة في كل جولات الصراع مع خصومه ومعارضيه حتى إندلاع حركة الإحتجاجات الشبابية والشعبية المطالبة برحيله في مختلف المدن والمحافظات اليمنية مطلع (شباط) فبراير الماضي. وأدخلت التظاهرات اليمن في أزمة غير مسبوقة جعلت منه بلداً مهددا بالفوضى والحرب الأهلية ، غير أن الأزمة توقفت عندما توجت التظاهرات بتوقيع كل الأطراف السياسية، وفي مقدمها صالح على المبادرة الخليجية، وآليتها، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2014 الخاص بنفل السلطة سلماً، عبر إنتخابات رئاسية مبكرة من المقرر أن تجرى في 21 الشهر المقبل. وكانت ساحات الاعتصام في عموم المدن اليمنية شهدت أمس ردود فعل غاضبة إثر إقرار البرلمان قانون الحصانة لصالح بشكل كامل، وجزئياً لمن عملوا معه طوال سنوات حكمه، واعتبر الشباب المعتصمون منذ منتصف (شباط) فبراير في ميادين وساحات التغيير والحرية، هذا القانون «خيانة للثورة ودماء الشهداء». وجدّد محتجون أمس مطالبتهم بمحاكمة صالح وأركان حكمه. وحمّلوا هادي، وباسندوة، وأعضاء الحكومة والبرلمان، المسؤولية الكاملة عن إقرار هذا القانون، وما يترتب عليه من منح الحصانة لصالح ومساعديه. واعتبرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» التعديلات التي أجريت على القانون غير كافية، وقالت مديرة برنامج الشرق الأوسط في المنظمة سارة لي واطسون: «على الحكومة اليمنية التحقيق مع كبار المسؤولين وألا تسمح لهم بالإفلات من العقاب عن جرائم القتل التي ارتكبوها».