لا يبدو أن المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم والذي عقده في دمشق قد أفضى إلى تعديلات تذكر على البيان الختامي للمؤتمر الأول الذي عقده «المجلس الوطني السوري» في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، وذلك على رغم انتظار رئيسه برهان غليون أكثر من ساعتين حتى يفرغ المعلم من كلامه. فقد اعتبر غليون في أعقاب سماعه المعلم يعلن توقيع سورية على بروتوكول الجامعة العربية انه استنتج «أن التوقيع جزء من سيناريو المراوغة التي يعتمدها النظام في سورية حيال المبادرة العربية»، وأنه، أي النظام يعمل على كسب الوقت ومنع الجامعة من تحويل ملف سورية إلى مجلس الأمن وعلى تقويض أسس المبادرة العربية. لكن اللافت في مؤتمر المجلس لم يكن مقرراته، إنما ما جرى في أروقته المغلقة من نقاشات كشفت أوجهاً مختلفة مما تنتظره سورية في الفترة القادمة. لا سيما وأن مجموعات مختلفة شاركت في المؤتمر تلتقي للمرة الأولى وتختبر مدى انسجامها في مشروع واحد. فقد حضر الإسلاميون ممثلين بالإخوان وبمجموعات مستقلة، وحضرت جماعة إعلان دمشق، وتنسيقيات الثورة وشخصيات عشائرية وليبرالية ويسارية. الرعاية الرسمية التونسية للمؤتمر بدت استثنائية لجهة تصويرها «الثورة التونسية تحتفي بإحدى مولوداتها». فالرئيس المنتخب المنصف المرزوقي حضر إلى الفندق الذي أقيم فيه المؤتمر مرتين، عند الافتتاح وفي إحدى الجلسات، كما دعا الأمانة العامة للمجلس الوطني إلى غداء تكريمي قال فيه لأعضاء الوفد انه سيعمل على أن تكون أولى قرارات الحكومة التونسية العتيدة الاعتراف بالمجلس الوطني السوري. وعلمت «الحياة» أن المرزوقي طلب من أعضاء المجلس العمل على إقناع صديقه هيثم مناع بالانضمام اليهم. كما تمثل الاحتفاء التونسي بالمعارضين السوريين عبر التسهيلات التي قدمت لأعضاء المجلس الذين فاق عددهم المئتين في القدوم إلى تونس من دون تأشيرات مسبقة، وعبر الرعاية الأمنية والإعلامية الواسعة لهم. المؤتمر الذي استمرت جلساته ليومين متتاليين خرج ببيان أبرز ما لفت فيه تبنيه «الجيش السوري الحر» واعتراف المجلس ب «دوره المشرف في حماية الثورة»، وهو ما اعتبر تحولاً في الخطاب، برره غليون بقناعته بأن دعوة الجيش الحر لحماية المدنيين أمر لا بد منه، وهو ما يملي على هذا الجيش خطوات ميدانية «لا بد منها». كما حسم المجلس وفق بيانه مسألة تبنيه حقوق الأكراد السوريين والاعتراف بالهويتين الكردية والآشورية. واعتبار القضية الكردية جزءاً من القضية الوطنية العامة، ودعا إلى حلها على أساس رفع الظلم وتعويض المتضررين والإقرار بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن وحدة سورية. أما لجهة حماية المدنيين فطالب المجلس المجتمع الدولي والأمم المتحدة بضرورة القيام بذلك من خلال مناطق آمنة وأخرى عازلة. علماً أن الجلسات شهدت مساهمة من أحد عمداء الجيش السوري المتقاعدين شرح فيها ما تحتاجه هذه المناطق لتلبي المهمة المطلوبة منها، ودعا إلى ضرورة التمييز بين المناطق الآمنة والمناطق العازلة، مؤكداً انه لا يمكن إقامة هذه المناطق من دون مساعدة من دول الجوار. النقاشات في الجلسات الداخلية تركزت حول مسألة توسيع المجلس ليضم شخصيات جديدة، لا سيما وأن غليون تمكن من إحداث اختراق عبر ضم كل من المعارض هيثم المالح إلى الأمانة العامة للمجلس، ونواف البشير إلى الهيئة العامة وهو شخصية عشائرية ويقيم في سورية، ويبدو أن هناك قراراً أخذ بضم شخصيات أخرى إذا وافقت، مثل عارف دليلة وميشال كيلو. هذه الأسماء أوحى ضمها أو السعي إلى ضمها بأن المفاوضات التي تجري بين أطراف المعارضة السورية في القاهرة قد قطعت أشواطاً وهو ما أكدته عضو المجلس بسمة قضماني عندما قالت إن الحوار مع «هيئة التنسيق» وصل إلى مرحلة متقدمة إذ تم الاتفاق على صيغة موحدة لطلب حماية المدنيين، واتفق أيضاً على أن تبدأ المرحلة الانتقالية بتنحي الرئيس بشار الأسد. وكشفت أن هناك تحضيراً لمؤتمر وطني يضم كل أطراف المعارضة في سورية. لكن موضوع توسيع المجلس ترافق أيضاً مع قضية خلافية حسمت لمصلحة الوجهة التي طرحها غليون ومقربون منه، وهي ولاية الرئيس التي حددت في البيان التأسيسي بثلاثة أشهر، لكنها في مؤتمر تونس مددت لسنة حتى يُعطى الرئيس فرصة بناء علاقات والمباشرة في استثمارها. لكن يبدو أن من اعترض على هذا التوجه كان من جماعة إعلان دمشق بالإضافة إلى مجموعات الداخل التي رأت انه من الضروري أن يكون الرئيس منتخباً من هيئة ناخبة ثابتة، وهذا ما يفترض عدم فتح باب العضوية للمجلس في شكل دائم. ويبدو أن مجموعات إسلامية غير إخوانية تبنت أيضاً وجهة النظر هذه، فيما لوحظ انسجام بين غليون والمجموعة القريبة منه وبين جماعة الإخوان المسلمين. ووصف أحد أعضاء المجلس، وهو علماني رفض الكشف عن اسمه، هذا الانسجام، قائلاً: «الإخوان واقعيون ويعلمون أن غليون وجه مقبول لدى الرأي العام العالمي، ويريدون للمجلس أن يتمأسس لأن حصتهم محفوظة أصلاً، فهم مثلاً استولوا على لجنة الإغاثة بكاملها». ويضم المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري: برهان غليون وسمير نشار وعبد الباسط سيدا وبسمة قضماني وفاروق طيفور وأحمد رمضان ومطيع البطين وهيثم المالح. في المؤتمر الختامي كما في الجلسات عموماً لا يبدو أن ثمة طغياناً للإسلاميين على مشهد المجلس الوطني. ثم أن هناك حرصاً على ذلك من الجهات المنظمة لأنشطة المجلس المختلفة. في المؤتمر الصحافي الختامي وقف برهان غليون وإلى جانبه بسمة قضماني وهيثم المالح وعمر أدلبي، وهؤلاء وإن كانوا ممثلين لحساسيات وتوجهات مختلفة إلا أنهم جميعاً ليسوا إسلاميين. ولعل رعاية المرزوقي للمؤتمر، وابتعاد حركة النهضة التونسية عن واجهة محتضني المؤتمر في تونس ما يؤكد هذه الرغبة.