سيطر مقاتلو «الدولة الإسلامية» (داعش) على معظم أنحاء شرق سورية بينما يواصلون تقدمهم في المحافظات السنية بالعراق المجاور. استولت هذه الجماعة التي يقودها أبو بكر البغدادي على أسلحة من مخازن السلاح في سورية والعراق وعلى أموال من البنوك في المدن التي سيطرت عليها كما تضع يدها على حقول نفط وأراض زراعية. في سورية - تحولت الانتفاضة التي تفجرت قبل أكثر من ثلاث سنوات على الرئيس بشار الأسد - إلى معارك بين فصائل المعارضة السنية وفيها يعلو نجم تنظيم «الدولة الإسلامية». وهذا الأسبوع أخرج مقاتلو «الدولة الإسلامية» تنظيم «جبهة النصرة» التابع ل «القاعدة» من بلدة البوكمال في وادي الفرات على الحدود السورية مع العراق، مشددين قبضتهم على جانبي الحدود التي تم ترسيمها خلال سنوات الاستعمار ويقولون إنها باتت الآن تاريخاً ولى وذهب. ومكّن هذا النصر «الدولة الإسلامية» من بسط سيطرتها الكاملة على نقطة عبور للمرة الأولى، ووفر لها منصة انطلاق في الهجوم على مواقع «جبهة النصرة» بمحافظة دير الزور السورية المنتجة للنفط. وتمتد حدود «الدولة الإسلامية» في سورية 400 كيلومتر من الحدود التركية قرب مدينة الباب إلى الحدود العراقية في البوكمال وهي أراض استولت على معظمها في معارك مع فصائل منافسة وليس مع قوات الأسد. وعلى رغم أن مكاسب «الدولة» الأخيرة في سورية تحققت شيئاً فشيئاً لا على النحو الخاطف الذي حدث في شمال وغرب العراق في حزيران (يونيو)، فإنها تبرز استمرار توسع الجماعة التي لم يكن لها وجود في البلاد قبل عامين فقط. وحتى وقت قريب كانت الجماعة تسمي نفسها «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وقال باتريك سكينر الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية والخبير بمجموعة صوفان الاستشارية في نيويورك: «التطورات التي حدثت خلال الأيام الماضية ستغيّر على الأرجح آليات العمل في سورية بعد ثلاث سنوات من الهجمات والهجمات المضادة وجمود الوضع». ويعمل تحت أمرة «الدولة الإسلامية» في سورية بضعة آلاف من المقاتلين يقودهم مقاتل من جورجيا هو «أبو عمر الشيشاني». وعلى النقيض من «أبو بكر البغدادي» زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» ككل والذي لا يعرف له مكان... كثيراً ما يظهر الشيشاني على أرض المعركة. وقد ظهر في الآونة الأخيرة وهو يتسلم عربات عسكرية تم الاستيلاء عليها بالعراق وجلبها إلى سورية. ولم يبد رجاله رباطة جأش في المعارك وحسب بل وأثبتوا براعة في استخدام القوة الناعمة التي مكنتهم من استغلال تحالفات محلية أو الاستفادة من مظالم الأهالي أو شراء ولاء المعارضة. وعلى سبيل المثال لا الحصر تم الاستيلاء على مدينة الموحسن التي تقع على بعد 16 كيلومتراً إلى الجنوب من المطار العسكري في دير الزور من دون قتال ولكن من خلال تحالف مع زعماء محليين يتوقع نشطاء إنه انطوى على تقديم مبالغ مالية بشكل أو آخر. وقال النشط أبو حمزة الديري إن هذا هو المنطق الوحيد الذي يمكن أن يدفع زعماء الموحسن للتحالف مع «الدولة الإسلامية» إذ أنهم يعارضون فكرها بقوة. وأضاف: «تعرف مدينة الموحسن بأنها موسكو الصغيرة». وكان لتسجيلات الفيديو التي تصوّر قسوة مقاتلي «الدولة الإسلامية» بما في ذلك إعدام جماعي للأسرى وعروض للقوة دور في إبراز سلطة الجماعة. واستعرضت هذه الجماعة يوم الاثنين معدات عسكرية ثقيلة عبر شوارع الرقة وهي العاصمة الإقليمية السورية الوحيدة التي خرجت بالكامل عن سيطرة الأسد. ومن تلك المعدات مدفعية تقطرها مركبات ومنها دبابات وسيارات همفي وصاروخ قيل إنه صاروخ سكود وحملت هذه المعدات شعار الجماعة. وحاصرت «الدولة الإسلامية» قوات الأسد في مدينة دير الزور لما يقرب من ثلاثة أشهر في خطوة قال الديري إنها تشبه حملة الحكومة «الجوع أو الركوع». وانسحبت «جبهة النصرة» يوم الخميس من معقلها في الشحيل بمحافظة دير الزور ومن مدينة الميادين. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي يقع مقره في بريطانيا ويتابع الأحداث على الأرض إن مقاتلين من العشائر المحلية بايعوا «الدولة الإسلامية» مما مكنها من السيطرة على معظم المحافظة الحدودية. وفي محافظة حلب الشمالية على حدود الأراضي التي هيمنت عليها «الدولة الإسلامية» شن مقاتلوها هجوماً على خصوم من المعارضين ممن أضعفهم القتال الطويل كما أنها تقاتل أيضاً إلى الشرق من دمشق. ضربات الأسد الجوية وكانت «الدولة الإسلامية» حتى وقت قريب بمنأى كبير عن ضربات قوات الأسد التي ركزت اهتمامها على استعادة أراض في وسط سورية واستفادت من الاقتتال بين فصائل المعارضة والذي فجر شرارته توسع «الدولة». وبشكل غير رسمي أقر ديبلوماسيون مقربون من حكومة الأسد بأن دمشق تعتبر «الدولة الإسلامية» قوة مدمرة لمقاتلي المعارضة وأن هناك إدراكاً ضمنياً بحدوث مواجهة في نهاية الأمر بين «الدولة الإسلامية» ودمشق بعد القضاء على خصومهما المشتركين. ووضع الجماعة الجديد ربما يكون قد قرّب أجل تلك المواجهة. وفي الأسبوع الماضي ضربت طائرات حربية مدينة القائم العراقية الخاضعة لسيطرة «دولة البغدادي» عبر الحدود من بلدة البوكمال. وقالت مصادر في سورية والعراق إن الطائرات سورية على رغم النفي الرسمي من بغدادودمشق. وقال سكينر: «لا بد وأن الأسد قلق جداً الآن من الأموال التي لدى الدولة الإسلامية لأن من الواضح أن بمقدورها أن تشتري سلاحاً بل وأن تشتري ولاءات أيضاً... بوسع الدولة الإسلامية أن تقطع أنحاء سورية وتشتري تأييداً حتى ولو كان موقتاً وهذا يمكن أن يغير قوة الدفع». ولأول مرة منذ سيطرت «الدولة الإسلامية» على الرقة بالكامل قصفت قوات الأسد المدينة عدة مرات في الأسبوعين الأخيرين. واختلفت التقديرات حول مدى خطورة القصف. وقال رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه كانت هناك 15 غارة جوية في الرقة ودير الزور يوم الثلثاء لكن بعض النشطاء يقولون إن هذه التحركات ظاهرية في معظمها. وقال ناشط في الرقة عرّف نفسه باسم أبو بكر: «نسمع كثيراً في وسائل الإعلام أن الحكومة تضرب معاقل الدولة الإسلامية لكننا لا نرى ذلك على الأرض. إنهم يضربون قرب الدولة الإسلامية ولا نرى سوى سقوط ضحايا مدنيين وتضرر عقارات يملكها مدنيون». ويحشد خصوم آخرون مقاتليهم ضد «الدولة الإسلامية». وإلى الشرق من دمشق يعمل مقاتلون من «جيش الإسلام» على إخراج مقاتلي «الدولة الإسلامية» من بلدة ميدعا في منطقة الغوطة. وقال زهران علوش قائد «جيش الإسلام» لمقاتليه قبل أن يرسلهم للقتال هذا الأسبوع إنهم قاتلوا نظام الأسد من قبل و «حرروا» الغوطة وأجزاء كثيرة أما اليوم فإنهم ذاهبون لميدعا لسحق «الدولة الإسلامية».