أمل السفير الصيني في بيروت وو زكسيان بأن تجري كل الأمور المرتبطة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان بروحية من النقاش والحوار لأنه «لا ينبغي التسبب بخلاف جديد من خلال المساعي الرامية إلى حل نزاع ما»، مشدداً على مبدأ بلاده عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد. وقال زكسيان إن بيجين تشجع جميع الأطراف في سورية على الحوار والمضي في الإصلاحات وإيجاد مسار سلمي لحل الأزمة فيها. وأوضح أن الصين استخدمت حق الفيتو سابقاً حول سورية «لأن قوى الغرب تود تعقيد الأمور فيها ونحن نعارض كل احتمالات التدخل من خارج الجامعة العربية ونؤيد تفعيل الاتفاقات بين سورية والجامعة». وعن تقويمه لتمويل المحكمة وهل ستعتبره الأسرة الدولية كافياً لجهة التزامات لبنان بالقرارات الدولية؟ أجاب: «سنرى، لأنها مشكلة معقدة للغاية. أمامنا هدف أول، وهو إيجاد المتورطين في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وهو هدف أعتقد أنه يحظى بالإجماع، ولا يمكن الاختلاف عليه. إن هدف المحكمة واضح، ولا جدال فيه. بل إن الجدل قائم حيال منهجية عملها. يرى البعض أنها تعمل في شكل صائب، في حين ينفي البعض الآخر ذلك. وعندما تبرز تعقيدات من هذا النوع، الأفضل إيجاد تسوية تسمح بالتقدم. لا ينبغي على الإطلاق إشعال فتيل نزاعات جديدة. فإذا تسببنا بخلاف جديد من خلال المساعي الرامية إلى حل نزاع ما، لن يكون الأمر مفيداً أو مواتياً لحل النزاع الأساسي. لذا، نأمل بأن تجري كل الأمور في هذه الروحية من النقاش والحوار، والتوصل إلى تسوية». وعن تخلي أطراف عن اعتراضهم على التمويل لأن الأفضلية للاستقرار. وهل يظن أن هذا الاستقرار يمكن أن يدوم في السياق الإقليمي المتقلّب؟ قال السفير زكسيان: «في ما يتعلق بالشؤون الداخلية لدولة ما، تبقى الصين على مسافة منها. نشجع الحل السلمي، القائم على النقاش والحوار، ثمة اليوم سياق إقليمي متقلب للغاية، ونعرف تماماً أن لبنان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكل ما يجري في المنطقة. ولطالما تمنينا حقاً أن يعم الاستقرار من جديد لبنان والمنطقة على حد سواء. ولبلوغ هذه الغاية، لا بد مرة أخرى من أن يجلس كل الفاعلين في المنطقة حول طاولة ويتحاوروا ويحاولوا إيجاد تسوية. ولا بد في الوقت ذاته، من تجنب الوقوع في نزاعات جديدة، وهذا لا يعني أننّا نود تجاهل سبب النزاعات، فلا يمكن أن تحدث بلا سبب ولا بد بالتالي من التطرق مباشرةً إلى الأسباب». وعن قول المبعوث الصيني الخاص إلى دمشق قبل 5 أسابيع أن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، فيما أخذت الأمور منحىً سلبياً منذ حينها، وهل اتخذ الموقف الصيني منحى مغايراً، قال:» لا، موقف الصين لطالما كان ثابتاً إزاء مجمل الأزمات والنزاعات، نتمنى جلوس الخصوم، حول طاولة والتحاور والتوصل إلى عملية سياسية لحل المشكلة. ولحل المشكلة السورية، أي لتطبيق الإصلاحات، أعرب مبعوثنا الخاص عن الرسالة ذاتها خلال جولته في المنطقة، والجدير ذكره أنه يتردد كثيراً على المنطقة، ولم نتوقف عن بذل الجهود لحضّ الجميع على التفاوض والتحاور وإيجاد مسار سلمي لحل الأزمة وتسهيل عجلة الإصلاح التي تؤدي إلى النتيجة المرجوة في نظر الجميع». وسئل: قرارات الجامعة العربية، ومن ضمنها العقوبات على سورية ثم موقف منظمة التعاون الإسلامي. كيف تنظرون إليها؟ أجاب:» تابعنا عن كثب التطورات، ولمسنا بالطبع تدخل الجامعة العربية منذ بعض الوقت في الملف السوري. ولاحظنا في الدرجة الأولى حدوث اتفاق بين الجامعة العربية وسورية. ونعتقد أن الأهم هو تطبيق الاتفاقات، فلا بد من أن يبذل جميع الفاعلين، أي سورية والجامعة العربية على حد سواء، جهوداً لتفعيل هذه الاتفاقات. والأهم أيضاً حل المشاكل بطريقة مناسبة عبر الحوار ضمن الجامعة العربية بين الدول المنتمية إليها وسورية، ونحن نعارض كل احتمالات التدخل من خارج الجامعة العربية. فلن يأتي بالحل القادر على إنهاء المشكلة، بل قد يزيد الأمور تعقيداً». وحول توجه الجامعة العربية إلى الأمين العام للأمم المتحدة لطلب المساعدة في تطبيق تلك القرارات وبدء الحديث مجدداً عن مشروع قرار أوروبي لإدانة أعمال العنف في سورية، وهل ستلجأ الصين إلى حق الفيتو كما سبق وفعلت أم ستمتنع عن التصويت عليه أم ستؤيده؟ قال: «سبق أن صدر إعلانٌ عن رئيس مجلس الأمن منذ شهرين أو ثلاثة، ندّد بالعنف في سورية، وتلت ذلك محاولة أخرى للمصادقة على قرار لمجلس الأمن يهدف إلى فرض عقوبات على سورية، وهنا، لجأت الصين إلى حق الفيتو. ولكن بعد التصويت مباشرةً، شرح ممثلنا الدائم في نيويورك، السبب الذي حضّ الصين على استخدام الفيتو. ومن الضروري التفرقة بين أمرين، أولهما أننا نريد فعلاً أن تستعيد سورية استقرارها، من خلال إحراز تقدّم في العملية السياسية وتحقيق الإصلاح، وتلبية مطالب الأطراف كافةً. وهذا موقف واضح وصريح منذ البداية من قبل الصين، ولا ينبغي الخلط مع التصويت لمرة ليست الأولى ضد محاولة إصدار قرار، وقرار الفيتو ليس أول تحرك معارض لهذا النوع من المحاولات. ولكن هذه المرة، أراد البريطانيون فرض التصويت، وهذا ما تسبب باستخدام حق الفيتو. نحن معترضون لأن الأسرة الدولية تقف خلف هذا النوع من التدخل الذي تقدم عليه القوى الغربية، ومن الضروري أن نرى من يقف خلفها وما الذي تمثّله. تودّ قوى الغرب تعقيد الأمور، وهذا ما دعا إلى اللجوء إلى الفيتو. وفي حال صدرت محاولات جديدة باتخاذ قرارات، فسوف نرى ما سنفعله، لأننا نعتبر أن أي تحرك للأسرة الدولية يجب أن يأتي لمصلحة التوصل إلى حل للأزمة السورية. إنما ليس من جانب أحادي، وأن تأتي تلك المساعدة لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، بل أن تُحَل المشكلة بطريقة ترضي الجميع. ومن المؤكد أن الأمر ليس سهلاً على الإطلاق». وهل يسهل إرضاء الجميع في مرحلة الربيع العربي، ونشهد تغيّر أنظمة وإصلاحات، أم أن الأمور ستبقى على حالها وتحصل أعمال عنف؟ - من المؤسف أن تحصل أعمال عنف على الدوام، ومن الضروري وضع حد لها. ولكن ما الطريقة للتوصل إلى ذلك. لا حل آخر غير حضّ الناس على الجلوس وتهدئة التوتر والتشاور. ولا يعني وجود مشاكل تعترض سبيل الحد من أعمال العنف أنه ينبغي اللجوء إلى أنواع عنف أخرى في أوساط من هم أكثر نفوذاً، لأن الأمر سيتطلّب استعمال وسائل أكثر جبروتاً. والأمر لن يحل المشكلة، رأينا ما حصل في أفغانستان، وشاهدنا ما آلت إليه الأمور في العراق. حصلت تدخلات خارجية استُعمِلَت فيها وسائل عنف أشدّ حتى من سابقتها لتهدئة بعض أعمال العنف، لكن الهدف لم يتحقق. وتقع أفغانستان والعراق منذ سنوات ضحية أعمال عنف كبيرة تشنها الأسرة الدولية، ولم يتم إيجاد أي حل للمشكلة. الحل الأفضل، على رغم الصعوبات، هو في حضّ الخصوم على الجلوس حول طاولة واحدة. وجهنا رسالة واضحة إلى الجميع. وزملائي في سفارة الصين في دمشق على تواصل مع الجميع. وتبقى السفارة دوماً على اتصال بالأطراف كافةً. وأنا واثق بأن الرسالة ذاتها وصلت إليهم كلهم. وعما إذا كانت الصين تتوسط بين المعارضة والحكومة في سورية؟ قال:» طبعاً. السفارة تؤدي هذا الدور. وأعرف أن زملائي ناشطون في هذا المجال»... وعن النتائج أجاب: «لا يمكن للصين أن تتوقعها، ولكننا نبذل جهوداً طبعاً للتحاور والالتزام بعملية سياسية لا تكون مهرباً لتجاهل ما يحصل حتى الآن. تهدف العملية السياسية إلى تطبيق الإصلاح، لاستعادة الاستقرار في البلاد، لإتاحة عيش حياة أفضل. وهو امر مشروع تماماً». وهل يرتبط الموقف الصيني بمخاوفكم من موقف دولي حيال المشاكل المرتبطة بحقوق الإنسان في الصين؟ - قال ضاحكاً: «إنه منطق ساذج جدّاً. فمثل هذا المنطق يبين أنهم لا يعرفون الصين. ويستطيع الناس الذين لا يعرفون الصين أن يحللوا باللجوء إلى منطق بالغ البساطة والسذاجة فيقولون إنه في حال اتخذت الصين موقفاً مماثلاً، فالسبب يعود إلى أنها لا تريد أن يصيبها ما أصاب سورية. ولكن في حال ذهبت إلى الصين، فسترى أن الوضع فيها مختلف تماماً. لا مخاوف لدى الصين في هذا الخصوص. المشاكل كثيرة طبعاً، كما في أرجاء العالم كافةً. إذ لا يزال 150 مليون صيني يعيشون في حال من الفقر المدقع، وهناك سنوياً 24 مليون طلب عمل جديد. ولكن البلاد تبذل دوماً جهوداً لتحسين الأمور. والناس منطقيون. ويقولون «إنني أعيش اليوم في حالة من الفقر المدقع. وإن حاولت أن أختلق المشاكل، فستزداد حياتي سوءاً، ولكن في حال بذل الجميع جهوداً كما يحصل اليوم، فستشهد الحياة تحسناً، انه الواقع، وحياتنا تتحسن على الدوام، على رغم فوارق التطور في المجتمع الصيني».