أوقفت الشرطة القضائية الفرنسية أمس، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي على ذمة التحقيق لمدة 24 ساعة قابلة للتمديد، في إطار قضية سوء استخدام النفوذ أثناء توليه الرئاسة، في سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة في فرنسا. وشكل هذا الإجراء تطوراً لافتاً في إطار نهج محاسبة القضاء الفرنسي للمسؤولين السياسيين، وتزامن مع تكهنات بأن ساركوزي (59 سنة) يعتزم معاودة النشاط السياسي الذي اعتكف عنه عقب خسارته انتخابات الرئاسة عام 2012، أمام الرئيس الحالي الاشتراكي فرنسوا هولاند. وسبق أن أخضع القضاء الفرنسي عدداً من كبار المسؤولين من بينهم الرئيس الديغولي السابق جاك شيراك للتحقيق، من دون اللجوء إلى وضعهم قي الاعتقال، ما دفع بوسائل الإعلام الفرنسية إلى التكهن بأن لدى المحققين ما يبرر قرارهم بحق ساركوزي الذي ينتمي إلى التيار اليميني ذاته. يأتي ذلك في وقت مددت الشرطة القضائية لمدة 24 ساعة جديدة اعتقال ثلاثة من المقربين من ساركوزي على ذمة التحقيق، وهم محاميه تيري هرتزوغ والقاضي جلبير أزيبير والمحامي لدى محكمة الاستئناف باتريك ساسو. ويسعى القضاء إلى معرفة ما إذا كان المعتقلون الثلاثة عاونوا ساركوزي على انتهاك السرية القضائية، وزودوه معلومات حول سير التحقيق المتعلق بتمويل نظام العقيد معمر القذافي لحملته الانتخابية، وأيضاً التحقيق حول تلقيه أموالاً بشكل غير مشروع من صاحبة مجموعة «لوريال» العملاقة ليليان بيتانكور. ولا تتعلق التحقيقات الحالية مع ساركوزي بالقضيتين مباشرة، بل باستخدامه السلطة لتأثير محتمل على تطور التحقيق فيهما. وبدأت القضية في أيلول (سبتمبر) الماضي، في صيغة فضيحة للطاقم الاشتراكي الحاكم بعد تقارير عن إخضاع هاتف ساركوزي الخاص للتنصت في أيلول 2013، في إطار قضية بيتانكور. لكن هذه الفضيحة سرعان ما قادت إلى أخرى ارتدت على ساركوزي، ذلك أن التنصت أدى إلى عناصر تدفع إلى الاعتقاد بأن محاميه هيرتزوغ زوده معلومات سرية حول سير التحقيقات. واعتبر في هذا الإطار أن أزيبير الذي يعد من كبار القضاة، حصل على منصب مرموق في إمارة موناكو، مكافأة له على الخدمات التي قدمها للرئيس السابق، وهو ما يسعى أيضاً المحققون إلى التحقق منه. وسبق للقضاء أن أخضع ساركوزي للتحقيق في عام 2013 في إطار قضية بيتانكور ثم قرر أن لا أدلة كافية ضده، فيما دفعته قضية التنصت على هاتفه إلى اتهام السلطات الاشتراكية باستخدام القضاء ضده. وقد تؤثر هذه القضية على المستقبل السياسي لساركوزي، الذي أمهل نفسه حتى الخريف المقبل للكشف عما إذا كان يعتزم العودة إلى الحياة السياسية وترؤس حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» (اليميني المعارض) الذي يعاني تمزقاً داخلياً منذ العام 2012. واعتبر مؤيدو ساركوزي في الوسط اليميني، أن اعتقاله يندرج في سياق خطة تهدف إلى عرقلة عودته إلى المعترك السياسي. أما ردود الفعل اليسارية، فأجمعت على وجوب استكمال التحقيق إلى نهايته لتأخذ العدالة مجراها، باعتبار أن ساركوزي «يتساوى مع سائر المواطنين أمام القضاء». وأتت أكثر التعليقات قسوة على لسان زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) مارين لوبن، التي صرحت بأن ساركوزي فقد مصداقيته بالكامل، وأنه محاصر بالملفات القضائية، وأن حزبه بات في حال انحلال.