من جيل حاول كثيراً أن يختصر المراحل ويصنع للأجيال القادمة ثقافة ومنهجاً كله اعتدال وتسامح وحوار، لكن ذلك الجيل كان تسامحه أكثر من اللازم فسمح لأصوات أن تطفو على السطح وتحتل المنابر وتقود الدفة إلى مرافئ من حيرة و تشتت... عبدالله الشريف في العقد السابع من عمره، من خريجي مدرسة التوحيد تلك المدرسة التي يرى أنها وئدت لاعتدالها وتنوعها. تربوي معتق وأكاديمي له حضوره، قلمه خير عنوان له، حضوره هادئ لكن تسكنه الصرامة والنقد البناء، يحترم ويتسامح لكنه لا يرضخ، يقول عن نفسه إن الحياء يجعله يتأخر قليلاً ولكنه في الأخير يصل، هو يرى أن الإصلاح قادم ومن يقف في وجهه سيصبح في خبر كان، له رؤيته حول السلفية وله منهج مع الرقابة والآخر ويتحفظ على تعديلات نظام المطبوعات الأخير الذي يقيد بعض الحريات السابقة، رفيق بالمرأة ويتمنى لو كان له من الأمر لنصرها مدنياً وعملياً وحقوقياً... فإلى تفاصيل الحوار: لمن تدين بصياغة حياتك؟ - أدين بصوغ مسيرة حياتي لأساتذة أجلاء رعوا خطواتي الأولى نحو المعرفة وصوغ تجربة أظنها ناجحة عبر ممارسة مثلي للحياة، من علماء كانت لهم حلقات علم في رحابه.. كالسادة العلماء، السيد علوي عباس المالكي، والشيخ حسن محمد المشاط، والشيخ محمد العربي التباني، ومن علماء الدعوة الإصلاحية كمفتي الديار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ ناصر العلي الناصر. وفي دار التوحيد تلقيته على يد نخبة من علماء الأزهر الشريف، اعتز بما تلقيت عنهم من علوم الشريعة واللغة العربية، وتأثري برواد في المجال الفكري والأدبي في بلادنا كشاعرنا الفيلسوف حمزة شحاتة، وأستاذنا الناقد عبدالله عبدالجبار، وعلامة الجزيرة حمد الجاسر، كما أدين بصوغها لثقافة عربية أصيلة، ثم ثقافة عصرية نميتها عبر سن العمر. بماذا تميز جيلكم عن بقية الأجيال؟ - نحن جيل الوسط جئنا بعد الرواد في ساحة الفكر والثقافة في وطننا، وسبقنا الجيل اللاحق لنا، الذين بعضهم اليوم نجوم في هذه الساحة، ولكننا تميزنا بجدية نفتقدها اليوم عن بعض شبابنا، وعشق للمعرفة تغيب عنهم، وتطلع دائم ساعدنا لاستكمال ما ينقصنا عبر القراءات الجادة، والبحث العلمي، والحوار للوصول إلى الحقيقة، بنينا على ما أسسه الرواد ولم نقلدهم، كما لم نصنع قطيعة بيننا وبين تراثنا، ونظرنا إليه بعين فاحصة ناقدة، فانطلقنا إلى حداثة ابتدعناها ولم نقلد فيها أحداً. الحجاز والتنوع كونك من الحجاز... هل منحك هذا تصالحاً مع الأطياف المختلفة، وهل أنت مع التضاريس التي تشكل ثقافة المجتمع؟ - لا أشك لحظة أن التنوع الذي مصدره اختلاف المناهج والرؤى بين الأقاليم والأقوام، المكونة لسكان هذا الوطن، هو ما يشكل الثقافة المنسوبة إليه، ولا يمكن لأي منها أن تدعي أنها المؤثر الوحيد، وهذا ليس في وطننا وحده، بل وفي سائر أوطان البشر، وما أضاع الهوية إلا إعلاء منهج ورؤى لأي منها ومنهم، وإقصاء مناهج ورؤى البعض الآخر منها كوني من الحجاز أسست ثقافتي من خلال مدرسة اشتهرت باحترامها لمن تختلف معه في المنهج والرؤية، إذ كان متداولاً فيها عبر حلقات الدروس، ذكر رأي المخالف وسوق أدلته وبراهينه، لتذكر بعد رأيها وتسوق أدلتها وبراهينها، فيقول الشافعي مثلاً: وقال سادتنا الأحناف كذا يودد رأيهم واجتهادهم، وأدلتهم وبراهينهم، ثم يقول: ومذهبنا كذا ثم يدلل ويبرهن له. فالمختلفون في هذه المدرسة دوماً أخوة، يظلهم جميعاً الإسلام، ويتنافسون الرؤى لينتج عن ذلك الأصوب من الرأي والاجتهاد، ولست أحمل للمختلفين معي إلا الخير، أدافع عمّا اعتقد بصحته، وأبرهن على ذلك ما استطعت، ولكن حتماً لا أسعى إلى إقصائه، ولا أعطيه الفرصة أن يقصيني. القبلية والطائفية هل استطاعت الوطنية القضاء عليهما؟ - أظن أن الجهد الذي بذل لتلافي مساوئ القبلية والطائفية في بلادنا من مثقفينا كافة قد حقق الكثير من النجاحات، ولكنه لم يستطع القضاء ولا أظنه يستطيع ما لم نؤسس لثقافة حوار جاد بين كل مكونات مجتمعنا وتسامح بينها لا تزال نفتقده حتى اليوم. في مدارس التوحيد كيف كانت البيئة العلمية آنذاك؟ - أظن أن هذا المعهد العريق المسمى (دار التوحيد) الذي أسسه الملك عبدالعزيز لبناء إنسان هذه البلاد الذي يتحمل مسؤولية النهوض بها، كان مشروعاً رائعاً استفادت منه البلاد عبر الزمان، فقد كانت له بيئة علمية راقية، بثت في الملتحقين به وعياً بوسطية الإسلام واعتدال حملة العلم الشرعي، وظل زمناً طويلاً يمثل وسيلة توازن بين تعليم ديني منحاز إلى التشدد والإقصاء، وتعليم نظامي يبتعد عن كل ما هو ديني نافع. لماذا انقرض نموذج مدارس التوحيد الآن؟ - أظن السبب يعود إلى أن لون التعليم المنحاز إلى التشدد والإقصاء وأحادية الرأي هو الذي ساد بعد ذلك، وكان همّ القائمين عليه التخلص من كل ما فيه اعتدال. لماذا نشعر «بالحدية» في الرأي من بعض طلاب العلم عندنا؟ - لأن المدرسة التي انتسبوا إليها هذه هي إحدى خصائصها، يدل على ذلك كثرة ردودها على كل من خالفها الرأي والاجتهاد حتى في التافه من الأمور، التي لا يثار حولها عند العقلاء جدل في العادة. من المسؤول عن أن «السلفية» أصبحت تهمة؟ - المسؤول هو من اعتبرها الإسلام ذاته، ولم ينظر إليها كأحد وجوه فهم نصوصه يتفق معه ويختلف، وإحدى حركات الإصلاح التي لها إيجابياتها وسلبياتها، فأصر على أنها الفهم الوحيد لهذه النصوص، وغيرها باطل فأراد بذلك أن يكره الناس على اعتناقها، فإن لم يستجيبوا رماهم بالشرك والكفر والبدعة. هل صعبت السلفية الحياة علينا؟ - الانتماء إلى السلف معنى يختلف عليه بين مدارس فهم نصوص الدين، وهو مصطلح حديث الظهور، وفي معظم الأحيان يستخدم من أجل محاولة المستحيل الذي لا يمكن أن يتحقق، وهو أن يكون الناس على رأي واحد وجعل فهمهم لنصوص دينهم متوارث في ما يشبه ما نهى عنه الإسلام من اتباع الآباء والأجداد، لهذا ظهرت على ألسنة الداعين لها: نفهم النصوص بفهم السلف، وكأن الله قد كلف المسلم ألا يفهم من النص إلا ما فهمه من سبق، فهو أمر بالتقليد وقد حرمه الله. كيف ترى حال رجال الدين في المنطقة بشكل عام وعندنا بشكل خاص؟ رجال الدين، مصطلح لا نعرفه في ثقافتنا الإسلامية، فهو من مفردات الدولة الدينية، التي ظهرت في الغرب زمن سيطرة الكنيسة على الحياة في أوروبا، والعالمون بالدين في ثقافتنا ليست لهم القداسة أو العصمة التي تدعيها الدولة الدينية في رجال دينها، لهذا لم يكن في الإسلام قط حكومة دينية. ورأيي أن علماء الدين في حاضرنا على قسمين: عالم دين متعصب لمذهبه، يريد أن يعتقده الناس وإلا اتهمهم بشتى التهم، حتى لو اضطر للحكم بكفرهم، وعالم دين يفرض رأيه واجتهاده، مع ما أفرز هذا العلم من تنوع في الاجتهاد، ويتمنى أنه يكون الحق، وفي بلادنا النوع الأول هو الأكثر. هل تؤمن بإسلام سعودي... وآخر ماليزي... وهكذا؟ - أومن بأن الإسلام واحد في أصوله ومقاصده ومبادئه، لا يختلف من مجتمع إلى آخر، لكن التطبيق لهذه الأصول والمقاصد والذي يعتمد على الاجتهاد، هو الذي يتغير بتغير الزمان والمكان، وبهذا المعنى فما يوجد في السعودية قد يختلف في كثير أو قليل عمّا في ماليزيا، ودعني أقولها صريحة تطبيقاتنا تختلف عن كل التطبيقات في عالمنا الإسلامي. تتكاثر الإشاعات والاتهامات حواليك.. ما السبب يا ترى؟ - لم أشعر بهذه الإشاعات ولا تهمني، فهي لا تتجاوز كونها إشاعة مخترعة، أما اتهامات المخالف في الرأي والاجتهاد، فمرجعها في الغالب تعصب أعمى لرأيه، وذلك لا يعني أنها حقيقية، بل هي في الغالبية محاكمة للنيات، وناتجة عن عجز فكري تام. بعض مرتادي موقع الساحات العربية كانوا يعادونك في كل شيء. لماذا؟ - طبيعة الكتابة عبر صفحات شبكة الإنترنت بأسماء مستعارة هو مثل هذا التجني، لأن من يحمل رؤى فكرية مبنية على علم وتجربة، لا يختبئ وراء اسم مستعار، ولا يتترس خلف عدم معرفة الآخرين له، وفعله هذا يدل على منتهى الجبن. لو طلب منك تقويم قبولنا للآخر والتعايش معه، فما هي منجزاتنا على أرض الواقع؟ - أظن أن السؤال يحمل في طياته الإجابة، ففشلنا ذريع في محاولة قبول الآخر، ونحن لا نزال ننسج حركة متواصلة لرفضه على شتى الصعد، فخوفنا من الآخر بلغ حداً جعل الهاجس لنا رفضه، حتى لو كان مسلماً مختلف المذهب أو التوجه. ما هو السلاح الحضاري الأقوى ...الدين أم السلاح؟ - لاشك أن الدين هو السلاح الأقوى إذا استقام فهمنا له، ولم نتخذ منه سوطاً نجلد به المخالف. بصورتنا الحالية ..هل استطعنا الوصول إلى مرحلة تفاهم مع العالم ؟ - أظننا حتى هذه اللحظة لم نستطع الوصول إلى هذه المرحلة، لأننا في الواقع لا نمتلك الأدوات الحقيقية لذلك. التغير أول مفاتيح التفكير المبدع ... لماذا تأخذ هذه المسألة وقتاً لدينا أطول من غيرنا؟ - ذلك أننا زرعنا جموداً في نظرتنا إلى الحياة عبر مفاهيم عفا عليها الزمن، ولم يعد لها وجود في عالم الناس اليوم. بين فرض العين وفرض الكفاية تاهت قضايانا ... ما رأيك؟ - لم تنته قضايانا بين الفرضيين، لمن أدرك معنى هذين المصطلحين وتطبيقهما في واقع حياة المسلمين، ففرض العين لا يعني سوى صاحبه، أما فرض الكفاية فهو الذي تأثم الأمة كلها بتركه، وكل ما ينفع المجتمع من فكر وعمل وحرف ومهن هي فروض كفايات أهملها المسلمون فتاهت قضاياهم وراء جدل عقيم حول مثل هذه المصطلحات. كيف هي علاقاتك مع مسؤولي الرقابة في الصحافة السعودية؟ - الرقابة المسبقة على الصحف قد ألغيت منذ زمن ليس بالقصير، وبقي التوجيه عن بعد في ما يسمح بنشره وما لا يسمح بنشره، ولكن الخوف من نشر ما تتوقع المؤاخذة عليه بعد النشر تدفع بعض مجيزي المقالات في الصحف أن يكونوا أشد رقابة من الرقيب الرسمي، لهذا نرى الاختلاف بين الصحف في مستويات النقد من أجل الإصلاح، وقدر مساحة حرية التعبير في كل منها. محاكمة المثقفين محاكمة المثقفين وتفسقيهم.. هل تراها بدعاً أم مناخاً للحرية؟ المحاكمة للرأي والاجتهاد لا تكون إلا في مجتمعات غابت عنها الحريات الأساسية، وهي حتماً بدع لا يقرها الدين، ولا يعترف بها العقل، ولكني دعني أقول إن اتساع نطاق الحرية، بخاصة بعد زوال بعض القيود له ثمن لابد من احتماله، ولعل منه هذه الحدة التي نلاحظها عند الاختلاف، بخاصة ممن لم يعتادوا على نقد لرأي لهم أو اجتهاد، ولكنها حتماً إلى زوال متى ما رسخت الحريات وأصبح لها الاعتبار في المجتمع. لماذا يخاف المتدينون من سطوة الثقافة والمثقفين، ولماذا خسر المثقفون المعركة مع رجال الدين؟ - ما يعتري بعض المنتسبين إلى العلم الديني من سطوة يزعمونها للثقافة والمثقفين، إنما يعود إلى عجزهم عن الحوار، أما أن المثقفين خسروا المعركة مع رجال الدين، فلا أظن هذا سيكون واقعاً، وإن تصور البعض أن ذلك تحقق مع إضافة قيود جديدة على حرية التعبير في نظام المطبوعات بعد التعديل الأخير، لأن الحرية دوماً في النهاية هي المنتصرة. ألا تشعر أن الوصاية عندنا سجن أكثر منها حماية؟ - الوصاية لم يقرها قط الدين، ويرفضها العقل، وهي لا توفر حماية لأي شيء، والوصاية التي يريد البعض فرضها علينا باسم الدين لا تسيء إلا إليه، لأنها في الحقيقة نابعة عن تعصب ذميم للرأي والاجتهاد ولا علاقة لها بالدين، وهي حتماً زائلة عما قريب. طوبى للغرباء.. من بظنك هو الغريب في هذا الزمن؟ - الغريب حقاً في هذا الزمان هو لاشك من عرف هذا الدين بوسطيته واعتداله، لأن المتطرفين من الجانبين: المتطرف الذي يظهر التدين، والمتحلل من الدين، لن يتركا من يمارس ما آمن به، وسينصبان له الشراك في الطريق التي قد تحرفه عما آمن به ما لم يكن إيماناً قوياً. ألا ترى أن مجتمعنا الخليجي يتجه نحو الليبرالية بمضمون إسلامي؟ - المجتمع الخليجي حتماً يتجه نحو الإيمان بالحريات الأساسية التي يوفرها الدين، ويعترف بها العقل، والتي أداتها الأصلية الديموقراطية، فالحريات الأساسية التي لابد من توافرها في كل مجتمع إنساني ليتضمن له الكرامة، لا تتعارض مع الدين، وأظن أن كل مواجهة لها تحت أي مسمى مصيرها إلى الفشل. أنت تستمع لبرامج الفتوى... كيف تقرأ أسئلة الناس؟ - الفتوى عبر البرامج الإذاعية والتلفزيونية، إذا كانت على الهواء مباشرة تتعارض مع معنى الفتوى الشرعية المرتكزة على الاجتهاد، فغالب من يمارسونها لم يشهد لهم أحد بأنهم بلغوا رتبة الاجتهاد، وغالب ما يقولونه رأي مجرد لا دليل شرعي عليه، وهذا فيه الإضرار الفادح بالدين وبالمستعين، ولكن الثقافة التي سادت في مجتمعنا، جعلت الناس يستفتون حتى ما يعلمون حكمه، ويسألون حتى عن التافه الذي لا يسأل عنه. لك تقاطعات سياسية لكنها تتم على استحياء؟ - جعلني الله دوماً من أهل الحياء، فالحياء من الإيمان، وكل ما أبديت فيه رأياً من الناحية السياسية كنت فيه واضح الطرح، ولكني بطبعي لست ممن تحيهم الإثارة. ماذا يهمك أكثر أن يقرأ الناس عقلك، أم يطرقوا بك أبواب عقولهم؟ - إذا كانت قراءة العقل تعني ما ينتجه هذا العقل، مما يوصف بالصواب أو الخطأ من الأفكار والمعتقدات، فأظن أن المثقفين قد قرأوا ما أنتج عقلي من أفكار، وتفاعل مع ما تنتجه عقولهم من أفكار، وبيني وبينهم التواصل الفكري دائم قائم. كثير من دعاوى الإصلاح المرفوعة نجد اسمك ضمن الموقعين عليها، ما رؤيتك لهذه المطالبات، وهل تضررت من توقيعك على بعضها؟ - أظن أن كل دعوة للإصلاح إذا لم يتوجه بها أصحابها لقيادة هذا الوطن الأغلى لن يتحقق منها شيء، والتوقيع على خطابات بهذا الشأن لا أظنه يكون سبباً لضرر يقع على الموقع، وهي مرحلة مرت بالوطن في زمن فكرة الإصلاح فيه تسود بين الجميع، وأديت فيها أدواراً وطنية لم يقصد بها سوى النهوض بالحياة في الوطن، ولا أظن أن قيادتنا إلا تقدر هذا وتثمنه. الإصلاح هل ينتهي عند كتابة العريضة أم يتعداه لشيء آخر؟ - أدرك تمام الإدراك أن العريضة وحدها ليست الوسيلة لتحقيق الإصلاح وإنما يحققه قبولها، والتوجيه بتحقيق ما جاء فيها، بعد اقتناعه بذلك، وبعيداً عن كل الوسائل المشبوهة التي يعتمدها أدعياء الإصلاح لتحقيق مصالح لهم آنية أو مستقبلية. أي الخطابات التي وقعت عليها وندمت بعد ذلك؟ - لم أندم قط على رأي أبديته لا غرض لي فيه سوى المصلحة العامة. ودعني أقول ما قاله توفيق الحكيم في مقدمة كتابه «شجرة الحكم» «في عقيدتي أن كل مواطن يري رأياً فيه صلاح لبلاده، ويكممه خوفاً أو جبناً أو إيثاراً لراحة النفس والبدن، إنما هو رجل مذنب في حق بلاده وضميره». كيف ترى تفاعلنا مع الشأن السياسي الداخلي؟ - الاشتغال بالسياسة في وطننا حتى يومنا هذا لم ينجح فيه أحد خارج المنظومة الرسمية، لهذا ترى حتى التحليلات السياسية للشأن الداخلي في بلادنا في إعلامنا باهتة، لمراعاتها المستمرة لهذه القيود، فلا تفاعل يذكر عندنا مع الشأن السياسي الداخلي. لو فوضت بموضوع المرأة السعودية... ما أول قراراتك؟ - قرار بمنح المرأة حقوقها الأساسية، والتي اعتقد بأن الإسلام قد ضمنها وسائر الوثائق الدولية، إلا ما تحفظنا عليه لمخالفته لتشريعات الدين وهو قليل جداً، والقرار الثاني مساواتها بشقيقها الرجل في شتى المجالات، التي لا تصطدم بنص شرعي واضح، ثم رفع الظلم عنها في دائرة الأسرة عن طريق استصدار وثيقة للأحوال الشخصية واضحة المعالم مستنبطة من تراثنا الفقهي المتنوع تحقق العدل لها في علاقاتها الإنسانية الأسمى بالزوج والأولاد. الربيع العربي هل سيؤثر في مناخنا العام.. أم أننا نملك من التضاريس التي تصد كل المتغيرات المناخية؟ - التغيير الذي تمر به المجتمعات العربية مؤثر فينا، ونحن ولا شك نؤثر فيها، وأما الادعاء بأن لدينا تضاريس تصد كل المتغيرات المناخية هو في الحقيقة وهم وأرجو ألا نقتنع به. عندما نتأمل المشهد المحلي نجد رؤية واضحة للإصلاح من خادم الحرمين الشريفين.. ما المعوقات التي تعيق تطبيق الرؤية على الواقع؟ - كل ما يظن أنه من المعوقات لتطبيق رؤية الإصلاح سيتبدد بأسرع مما يظن الناس، لأن الإصلاح قدر لا بد وأن ينفذ، فالحياة لا تستمر إلا عبر تطور وتحديث مستمر. نملك الثروة ونفتقد للتأثير ونتباطأ في التغيير... أين الخلل؟ - الخلل يمكن دوماً في عدم وجود الرؤية الواضحة والمخطط لها لما ينهض بالحياة في هذا الوطن، والاشتغال بجدية من أجل تحقيقه. الاقتصاد الإسلامي بصفتك متخصصاً في الفقه والاقتصاد... هل تشعر أننا حرمنا المجتمع من فرص حياة رغيدة بالتضييق عليها بشبهات الربا؟ - أضر بقضايانا ما أسماه البعض أسلمة العلوم، بمعنى أن كل علم حديث أضفنا إليه لقب «الإسلامي» فقلنا «اقتصاداً إسلامياً» و«علم اجتماع إسلامي» وكذلك «علم نفس إسلامي»، وحتى الطب لم يسلم من هذه الأسلمة فأصبح لدينا طب إسلامي، والحقيقة أن من عهد إليهم أو تبرعوا بهذه الأسلمة لم يعلموا من هذه العلوم إلا القشور، واكتفوا بإضافة آيات وأحاديث إلى محتوى العلم النظري ليزعموا أنه أصبح إسلامياً، تماماً مثل الذي يضع على اللحوم المجمدة ختم ذبح على الطريقة الإسلامية، (فضلاً عن أن السمك لا يذبح، فيختم بالختم نفسه). ولعل ما أسميناه الاقتصاد الإسلامي أصابته هذه الأسلمة في مقتل. فمن حملوا العلم الشرعي وتصدوا له جهلوا علم الاقتصاد ولم يعرفوا حقائقه، وعلماء الاقتصاد الذين تصدوا له أيضاً لم يدرسوا الشريعة أو علوم الدين فنتج عن ذلك ارتباك عظيم، ظهر في ما نقرأ اليوم من أدبيات الاقتصاد الإسلامي التي يكتبها الطرفان، فلم يتخلص هذا الاقتصاد المنعوت بأنه إسلامي من الربا، بل ألبس بعض معاملاته ثوباً إسلامياً. وظن الآخر أن بعض المعاملات المباحة رباً محرمة، ولعل ما يحرم اليوم لا في مجال الاقتصاد وحده، بل وفي سائر مجالات الحياة كلها، من متعجلين بالفتاوى، أمر خطير عطل النهوض بجوانب كثيرة من الحياة في وطننا، ما لم نستطيع مواجهة ذلك بعلم وحكمة. سيرة ذاتية... - ولد عام 1360/1941ه المؤهلات العلمية - تلقى تعليمه الأولي بين مكةالمكرمة والطائف حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية من دار التوحيد عام 1382/1382ه. - حصل على الليسانس في الشريعة الإسلامية وعلومها من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكةالمكرمة عام 1385/1386ه. - حصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله، ثم في الاقتصاد الإسلامي. الخبرات العملية - عمل مدرساً وإدارياً، ودرس العلوم الدينية واللغة العربية. - عمل مدرساً ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكةالمكرمة. - قضى في خدمة التعليم والجامعي 34 سنة، وتقاعد لبلوغه السن النظامية عام 1420ه.جمع في تلقيه العلم بين الطريقة الأكاديمية المدرسية، وبين ثنى الركب في حلقات الدرس بين يدي العلماء. له مشايخ من أصحاب الحلقات في الحرم المكي الشريف كالسيد علوي عباس المالكي، والشيخ حسن محمد المشاط، والشيخ محمد العربي التباني. وله أساتذة من المشايخ الأزهريين كالشيخ أحمد صقر، والشيخ البهنساوي، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والدكتور محمد عبدالمنعم الفعر، علاوة على مشايخه بدار التوحيد وكلهم أزهريون إلا الشيخ عبدالرحمن بن داود. قرأ للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، وقرأ للشيخ ناصر العلي الناصر، وحضر العديد من دروس علماء الدعوة. - انتدب للتدريس في إمارات الخليج عام 1392ه.تعاون مع دار الإفتاء ورابطة العالم الإسلامي.حضر العديد من المؤتمرات والملتقيات الثقافية. الإصدارات - له مؤلفات في تخصصه في الفقه وأصوله والاقتصاد الإسلامي، وأعد للنشر مع صديقه محمد سعيد طيب المجموعة الكاملة لمؤلفات المفكر والأديب الناقد عبدالله أحمد عبدالجبار. التوعية الإسلامية أضرت بطلابنا... والمعلم الحرّ مضيق عليه ويقاد للمحاكم!