أرقام الضحايا في سورية التي توردها مصادر متعددة تشير الى 50 الف معتقل ومفقود، وأكثر من ثلاثة آلاف قتيل من المدنيين والمنشقين عن الجيش. وبين هؤلاء كثيرون سقطوا ليس فقط برصاص قوات الامن والجيش، بل أيضاً بيد «الشبيحة» وتحت التعذيب. اما السؤال الذي وجهته دمشق الى الجامعة العربية حول معنى تعبير «الشبيحة» ومصدره، الوارد في صيغة بروتوكول حول بعثة المراقبين رفضت دمشق توقيعه، فيجد جوابه في ادانة الجمعية العامة للامم المتحدة انتهاك حقوق الانسان في سورية، وكذلك في كلمات المفكر والعلامة السوري الراحل عبد الرحمن الكواكبي، الذي كتب قبل اكثر من مئة عام توصيفاً دقيقاً للحاكم العثماني ورجاله آنذاك، ينطبق تماماً على الوضع السوري الحاضر، مع تعديل في الأسماء والأماكن. يقول الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، إن «الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها، من المستبد الاعظم الى الشرطي، الى الفرّاش، الى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف الا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم ان يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصارٌ لدولته (...) وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه». ويضيف: «وهذه الفئة المستخدمة (وهي من تُعرف اليوم بالشبيحة)، يَكثُر عددُها ويقل وفق شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف، احتاج الى زيادة جيش الممجِّدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج الى مزيد من الدقة في اتخاذهم من أسافل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين او ذمة». ولو نظرنا الى «شبيحة» نظام الأسد، لوجدنا انهم من صنع اجهزة الاستخبارات المتعددة التي ابتدعها لحماية نفسه من شعبه، وجنّدهم من بين قبضايات الأحياء والحارات ومطلوبي الحق العام، وأن معظمهم لا يخضع لقانون ولا لمساءلة، بل تغض السلطات الطرف عن تجاوزاته لكي يردّ لها الدَّين عندما تحتاجه. وهناك قسم آخر من نزلاء السجون المحكومين بتهم القتل والسلب والسرقة والتهريب، الذين أُفرج عنهم بشرط تنفيذ ما يُطلب منهم وإظهار «حسن ولائهم» للضابط الذي «توسط» لإطلاقهم. وسواء تعلق الأمر بجهاز او بأشخاص، فإن للاستبداد على الارجح صلة بطبائع حزب «البعث» وأنصاره، كما لدى معتنقي أيِّ فكر بني على اساس سيادة العرق او القومية او النسب، فلا يجيدون غير تقسيم الناس بين «وطنيين» و «خونة» وإخضاعهم لميزان «معنا او ضدنا»، وهو ما برع به «البعث» السوري ولم يشذ عنه الفرع العراقي. حتى في شعاره السياسي الرئيسي، قدّم «البعث» مفهوم الوحدة على الحرية، أي دعا إلى إتمامها بين «الأقطار» ولو قسراً، من دون ترك الحرية لشعوبها لتقرر ما تريد، وهو ما حاول الفرع السوري تطبيقه في لبنان، عبر قضم متدرج لسيادته ومؤسساته ودوره. أحد اعتراضات نظام دمشق على عمل المراقبين المقترحين كان رفضها السماح لهم بزيارة السجون والمستشفيات. لكن لو قُدّر لأي لجنة عربية او دولية لحقوق الانسان ان تدخل يوماً السجون السورية لعثرت بالتأكيد على آلاف المواطنين السوريين والعرب الذين اختفى أثر بعضهم منذ عشرات السنين وزُجّ بهم في زنزانات مظلمة بلا محاكمات، ولا تُعرف أسماؤهم، حتى سجانوهم لا يعرفونها، ولا يهمهم ذلك، بل يكتفون بتنفيذ الأوامر بإبقائهم على حافة الحياة، لا يسأل عنهم أحد ولا يسمح لأحد بذلك، ولا يغادرون سجنهم إلا إلى المقابر.