ينتمي نبيل صيدح (61 عاماً)، وهو كندي من أصل مصري، الى فئة علماء العرب الذين تتألق إبداعاتهم في الغرب الذي يفدون إليه مدفوعين بأسباب متنوّعة، فقد نال صيدح البكالوريوس في الكيمياء من جامعة القاهرة وحظي بمنحة تعليمية في جامعة «جورج تاون» في واشنطن، حيث حصل على دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية (1973). حاول العودة الى وطنه الأم، لكن ظروفاً عائلية دفعته الى متابعة مسيرته علمياً في كندا. وهناك، أنجز صيدح كمية وافرة من البحوث والاكتشافات المتقدمة في الكيمياء، تراكمت على مدار 37 عاماً. وهو عمل أستاذاً في كليّة الطب في جامعة مونتريال الكندية، بداية من عام 1973 ثم التحق بمختبر الكيمياء الحيوية في «مركز البحوث السريرية» فيها، حيث مازال يعمل لحد الآن. في مقابلة مع «الحياة»، أوضح صيدح أن بحوثه تمحورت حول «تحديد العلاقة الجدلية بين الطعام والهضم للوصول الى نهج جديد في معالجة بعض الامراض الخطيرة، مثل تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وتأخر النمو وغيرها». وتستند تلك العلاقة الى ما يسمى ب «كيمياء كونفرتيز» Convertase chemistry. وعَرّف صيدح ال «كونفرتيز» بأنه مجموعة من البروتينات والأنزيمات التي تُحدث انقساماً كبيراً في المواد الكيماوية النشطة بيولوجياً التي تؤثّر في عمل هرمونات مثل الإنسولين والأندروفين والهرمونات المؤثرة في النمو وغيرها. وتشير وثائق «مركز البحوث الكندي»، الى ان صيدح كان سبّاقاً في اكتشاف كثير من مُكوّنات تلك المجموعة، بل نال اعترافاً علمياً موثّقاً بأعمالها ووظائفها فيزيولوجياً وصحياً. وتحدّث صيدح عن اكتشافاته في كيمياء ال «كونفرتيز»، خصوصاً لجهة علاقاتها مع الهرمونات. فقد اشتغل على هرمون ال «أندروفين» Andorphine الذي يسكّن الألم في جسم الإنسان. واستغرقت بحوثه حول ال «كونفرتيز» المرتبط بال «أندروفين» قرابة 15 سنة. واستكملت بسلسلة من الاختبارات الناجحة، تضمّنت أخذ عينات من موتى. وكذلك استطاع تحديد مُكوّنات ال «كونفرتيز» بالنسبة الى الهرمونات التي تتدخل في تنظيم دقات القلب وتخفيف حال الضغط عصبياً ونفسياً، وتنظيم عملية الهضم، وضبط نمو الجسم وغيرها. وبين عامي 1989 و2003، أجرى صيدح اختبارات مُطوّلة على فئران وقردة وبشر. لقد استهلك ذلك زمناً طويلاً، ويرجع السبب الى أن عزل هذه الإنزيمات يحتاج تقنيات مُعقّدة ومتقدّمة. وقال: «ينبغي تقطيع الأنسجة وتنظيفها من الهرمونات الاخرى، كي يُصار الى التركيز على هرمون بعينه. يكفي القول إن تركيز الإنزيمات هو فائق الضآلة، اذ يتوجب دراسة تراكيب ألف هرمون ومقارنتها، للتوصّل الى عزل عنصر إنزيم مفرد. وأشار الى إنزيم اسمه «بي سي أس كيه 9» PCSK9، يعمل على تنظيم عمليات أساسية في الهضم، كما يضبط مستوى الكوليسترول. ومن المستطاع المراهنة على هذا الإنزيم في القضاء على الكوليسترول السيّء الذي يساهم في كثير من أمراض القلب والشرايين والأوردة. في هذا السياق، أشار صيدح إلى دراسة صدرت حديثاً عن «مركز البحوث السريرية» في مونتريال، أكّدت أن إنزيم «بي سي أس كيه 9» قد يصبح بديلاً من أدوية خفض الكوليسترول، مثل أدوية «ستاتين» التي يتناولها أكثر من 30 مليون مصاب بارتفاع الكوليسترول. ويتوقّع صيدح أن تصنّع شركات الصيدلة العالمية أدوية أساسها إنزيم «بي سي أس كيه 9»، في السنوات القليلة المقبلة. وقال صيدح انه يهتم حاضراً بالبحوث المتعلقة بالتنوّع البيولوجي وتحليل البروتينات المتّصلة بال «كونفرتيز». وسجّل لحد الآن 19 براءة اختراع في مجالات الهرمونات والانزيمات والبروتينات. ونشر قرابة 600 بحث في مجلات علمية موثقة. وشارك في أكثر من 350 مؤتمراً دولياً. واشرف على 70 رسالة دكتوراه ونال عدداً من الجوائز مثل وسام الاستحقاق الكندي ووسام برتبة ضابط من حكومة كيبك ووسام الشرف من «مؤسسة البحوث الصحية» وميدالية ذهبية للبحث والتطوير في كندا وجائزة العلماء المتميزين في كندا وغيرها.