لم نكن كمشاهدين أكثر من متلقين أمام برنامج « نشوة « التي تقدمه الإعلامية نشوى الرويني على قناة دبي الفضائية. اختارت نشوى لبرنامجها أن يكون متنوعاً جداً فن - مجتمع - طب - عالم النساء - المراهقة - عنوسة - أدب - دين، على غرار برنامج « Opra « الأمريكي. ويسجل البرنامج نقطة لصالح نشوى التي استضافت مشاهير وفنانين، اقتحمت قضايا مثيرة للجدال، قاربت موضوعات تحمل في طروحاتها جرعات زائدة من القضايا الحساسة في مجتمع الخليج خاصة وتجاوزت الخطوط الحمر لتصل أحياناً الى سفاح القربى، والجن والشعوذة. والعنف وغيرها. ولكن على رغم كل هذا، لم يلق البرنامج إقبالاً لافتاً من الجمهور العربي، والسبب يعود في رأي البعض الى «أن المقدمة والضيف يحددان منذ البداية طبيعة الكلام ليبدو البرنامج متصنعاً تنقصه البساطة» على حد تعبير عبد الكريم الرحي (عازف كمان). وربما يكون تقديم نشوى برامج صحية جعلها تقع في الرتابة وعدم القدرة على إيصال الفكرة للمشاهد «البرامج الخاصة بالسرطان وغيرها من الأمراض تحتاج الى مقدم على دراية بالمسائل الطبية، لا الى مقدمة قضت الكثير من حياتها في الأخبار ومواضيع اجتماعية» على حد تعبير ناهد سعد (مدرسة في علم الأحياء). الأمر الذي يجعل الحلقات الخاصة بهذه المواضيع مجرد قصف مباشر تجاه المشاهد، قصف من نصائح وأحكام جعلتنا نظن أننا في عيادة تخصصية لأحد الأطباء. لكن الطبيب غير قادر على إيصال الفكرة بالشكل الصحيح، ما أعطى المشاهد فكرة على أنه بديل عن نجوم الغناء والفنانين الذي يستقطبون المشاهد فكرياً واجتماعياً وطبقياً أيضاً، لكنه غير مرغوب فيه. وغالباً ما تلجأ نشوى إلى الاستعانة بمواضيع خارجة عن الحلقة لإنقاذ ما يمكن فعله، حيث سبق واستعانت بالدراما التركية «لحظة وداع» التي كانت وعرضت على شاشة أم بي سي فور، لتنقذ ما تبقى من الحلقة الخاصة بأمراض السرطان . لكن القائمين على البرنامج يتناسون إن تلك القضايا الكبيرة الخاصة بالصحة تطرق لها 99.9٪ من مقدمي البرامج في العالم العربي! بحيث باتت وكأن مجتمعاتنا لا تعاني إلا منها. أما في ما يخص الحلقات الخاصة بالجن فبدا وكأن في كل بيت عربي جني يشارك سكانه أفراحهم وأتراحهم - وله غرفة خاصة وتقام له حفلات الزائر. كذلك فإن النساء يتعرضن للضرب ولا يتوقف التلفزيون عن قول هذا. ولا يمكن أن ننسى موضوع الجنس باعتباره الخط الأحمر الفاقع في معظم البرامج الاجتماعية من طرحه بمناسبة وغير مناسبة... ولم يعد ينساه أي برنامج! صحيح أن هذه القضايا لها جاذبيتها، غير أن هناك قضايا تمس شرائح واسعة ومختلفة تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، لكشف مزيد من الأسرار، مثل سر غياب الحلم والطموح عند الإنسان، غياب الطاقة الفردية، الإبداع والإلهام ، إدانة نجاح الآخرين «هذا بعض مما نعاني منه في مجتمعاتنا اليوم كون الجنس وغيره أصبح من القضايا العابرة والمسببة للملل من كثرة التطرق لها في الفضائيات التي لا تعرف كيف تعبّئ أوقات بثها» كما تقول راما ناصيف مشرفة تربوية). مقارنة مع أوبرا الى هذا كله هناك نقطة لا ينتبه اليها معدو ومقدمو البرامج العربية وهي أن «المشاهد بات يعرف أن غالبية ما يعرض على الشاشات الفضائية ما هي إلا برامج «ملطوشة ومستوردة من برنامج تلفزيوني غربي لجذب الجمهور العربي» على حد تعبير ماهر نعمان، (طبيب في الأمراض النفسية). ويرى ماهر أن من السهل اعتماد سياسة «اللطش» هذه، لكن لا يمكن إجبار المشاهد على متابعة ما لا يروق له «وهذا ما يحصل لدى نشوى التي ما إن تظهر حتى نتذكر أوبرا، لكن المفارقة كبيرة فأوبرا تتناول أحدث القضايا في المجتمع الأمريكي وليس العكس». لكن هذا لا يعني أن بعض حلقات البرنامج لم تلقَ نجاحاً وإن كان عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد. فقد نجحت نشوى في آخر حلقة عرضت، ربما بالمصادفة ومن باب التغيير بوضع اليد على قضية شائكة يدور حولها لغط كبير في معظم الدول العربية وهي قضية كسل الأبناء وعسر الهجاء والكتابة. وتوصيف الحالة بالتبلد بينما هم مصابون بمرض يدعى الدسلكسيا ليستضيف البرنامج أصحاب تجارب واقعية لآباء وأمهات يعاني أولادهم هذه الحالة، الأمر الذي جعل الحلقة واقعية وقريبة من المشاهد. * «قناة دبي»، 18.30 بتوقيت غرينتش.