من يقرأ سيرة المغفور له - بإذن الله - الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، يكتشف مدى مساهمته البناءة في مسيرة بناء المملكة العربية السعودية وتنميتها، فتقلد المناصب منذ صغره، إذ كانت بداية دخوله للحياة السياسية في عام 1362ه، عندما عينه والده الملك عبدالعزيز رحمه الله رئيساً على الحرس الملكي، وفي مطلع ربيع الآخر 1366ه الموافق 22 شباط (فبراير) 1947، عينه أميراً على منطقة الرياض، ولذلك كان خلال هذه الفترة قريباً جداً من والده لينهل من معينه السياسة والحكمة وكسب ود ومحبة شعبه. وبعد وفاه والده رحمه الله وتولي أخيه الملك سعود الحكم، تم تعيينه وزيراً للزراعة والمياه وذلك في 18 ربيع الآخر 1373ه الموافق 24 كانون الأول (ديسمبر) 1953، وبعدها بعامين تم تعيينه وزيراً للمواصلات، وظل بالمنصب حتى 1 ربيع الآخر 1380ه الموافق 22 أيلول (سبتمبر) 1960. وعينه الملك فيصل رحمه الله في 3 جمادى الآخرة 1382ه الموافق 21 تشرين الاول (أكتوبر) 1962 وزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام، وهي الوزارة التي تولى مسؤوليتها حتى وفاته. وبعد وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود في 13 حزيران (يونيو) 1982 وتولي أخيه فهد بن عبدالعزيز آل سعود الحكم عين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء إضافة إلى مسؤوليته كوزير للدفاع، وبعد وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في الأول من آب (أغسطس) 2005 وتولي أخيه عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للحكم عين ولياً للعهد ونائباً أول لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه بمنصبه. تمثل المناصب التي تقلدها الأمير سلطان، والمسؤوليات التي تولاها منذ بداية حياته، شاهداً على أهمية هذا الرجل في مسيرة البناء، فهو السياسي البارع، والعسكري غير المساوم على مصلحة دينه ووطنه، والمنفذ لأوامر مليكه، والإنسان الذي يقوم بكل الواجبات الإنسانية تجاه الآخرين، فسياسي عندما أبدع بكل ما أوكل له من مناصب سياسية وأتقنها على أكمل وجه، وعسكري عندما بنى أكبر مؤسسة عسكرية في منطقة الجزيرة العربية، وجعلها الدرع الواقية والحصينة التي تحمى مقدرات هذا الوطن، وتحافظ على استقراره وأمنه، بل أصبحت المؤسسة العسكرية قلعة ورمزاً للقوة في المملكة، وإنسان عندما بنى مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، لتقدم خدماتها لكل من يحتاجها من أبناء هذا الوطن، إضافة إلى مواقفه الإنسانية في داخل المملكة وخارجها وجميعها موثقة ومدونة. لقد كان الساعد الأيمن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولأشقائه سعود وفيصل وخالد وفهد، رحمة الله عليهم جميعاً، والناصح الأمين لهم، اذ اسهم بكل طاقاته وقدراته في الذود عن وطنه وشعبه في وقت كانت المنطقة تجتاحها الحروب، فمن حرب 1967 التي شارك الجيش السعودي بها في حماية الأردن وإلى حرب 1973، التي اسهمت فيها المملكة عسكرياً واقتصادياً. كما تابع وهو على فراش مرضه أداء الجيش السعودي في تصديه لشرذمة الحوثيين، فقد كان الساعد الأيمن لأشقائه في اتخاذ القرارات العسكرية والسياسية التي يكون للمملكة دور فيها، اذ بنى الجيش العربي السعودي لبنة لبنة، وأشرف على تدريبه وتسليحه بأحدث أنواع الأسلحة، وإرسال البعثات العسكرية إلى أرقى المدارس والمعاهد ومراكز التدريب، حتى تحول الجيش العربي السعودي إلى رمز حضاري في المملكة العربية السعودية. كما اسهم في بناء الهيكل الإداري للمملكة العربية السعودية، من خلال ترؤسه العديد من اللجان الإدارية، التي اسهمت في تطوير الأداء الإداري في هذا البلد. بالنسبة للجانب الإنساني، فقد كان له دور كبير من خلال إنشائه مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية التي قال عنها: "إن العمل الخيري والإنساني الذي نتشرف بالقيام به لوجه الله تعالى، يتطلب بذل الجهود الصادقة والمخلصة وتسخير كل الإمكانات ليؤدي هذا العمل النتائج الإنسانية المرجوة منه، والذي يتطلع إليها كافة الشرائح المستفيدة من هذا العمل"، وتشرف هذه المؤسسة على ثلاثة مشاريع هي: مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية، وبرنامج سلطان بن عبدالعزيز للاتصالات الطبية (ميدبوينت)، ومشروع مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية للإسكان الخيري، اذ يهدف مشروع الإسكان الخيري إلى بناء أكثر من 600 وحدة سكنية في مختلف مناطق المملكة. ولذلك ليس غريباً أن يفوز رحمه الله، بجائزة الشيخ راشد آل مكتوم للشخصية الإنسانية للعام 2002 تقديراً لدور سموه الحيوي في الأعمال الخيرية والإنسانية على المستوى الإقليمي والعربي العالمي، حيث كان سموه حصل آنذاك على أكثر من 5 آلاف ترشيح محايد في إطار جائزة الشيخ راشد آل مكتوم للشخصية الإنسانية ضمن ترشيحات بلغت 10 آلاف ترشيح وصلت إلى اللجنة المعنية بالترشيح. اليوم يودع الشعب السعودي بكل حزن وأسى أحد قادته الذين اسهموا في بناء الإنسان والوطن، فرحمة الله عليك يا أبا خالد، وأسكنك فسيح جناته، إنه هو الغفور الرحيم. * أكاديمي سعودي. [email protected]