لا تزال "موناليزا" الساحرة رمزاً للأنوثة الدائمة على رغم انها بقيت على قيد الوجود منذ ان فرغ الفنان والنحات الايطالي ليوناردو دافنشي من رسمها خلال الفترة 1503 - 1507. ولا يزال فنانون كبار ومغمورون في مختلف ارجاء العالم يحلمون بإحداث تغييرات في تقاطيع وجه "الجوكونده" لتبدو بالشكل الذي يبتغونه. وأقدمت مدينة شوليه الفرنسية على توفير ما يريده أولئك الحالمون الذين وزعت اعمالهم على ثلاثة متاحف تظهر فيها "موناليزا" في هيئة هزلية او سياسية او سوريالية. وأطلقت المدينة على معرضها اسم "جوكونديسما" - أي حمى "الجوكوندا"، وهو الاسم الذي يطلقه الفرنسيون على ساحرة ليوناردو دافنشي. وسيستمر المعرض حتى 28 تشرين الأول اكتوبر المقبل. ومن أغرب اللوحات المشاركة في المعرض لوحة لا تظهر فيها "موناليزا" مطلقاً! وبدلاً من ذلك علقت ورقة صغيرة على مقبض فرشاة، وكتب عليها "موناليزا على الدرج"، وهي العبارة التي يتركها عادة عمال خدمات الشقق في فرنسا حين يخلي أحدهم الغرفة المخصصة لسكناه ليباشر تنظيف الدرج. المعروف ان "موناليزا" الاصلية تقبع في متحف اللوفر حيث خصصت لها اخيراً قاعة بمفردها. ويتاح للجمهور مشاهدة "الجوكونده" طوال ايام الاسبوع، عدا الثلاثاء. وعلى رغم تخصيص قاعة عرض للوحة التي لا تقدر بثمن، فإن عشاقها لا يزالون يواجهون صعوبات جمة في البقاء وقتاً اطول امامها بسبب الزحام والتدافع. وكان فراغ ليوناردو دافنشي من رسم "موناليزا" إيذاناً بثورة في رسم البورتريه، شجعت الفنانين في ميلانو وفلورنسا وبقية عواصم اوروبا في العصور الوسطى. وجاء اكتمال "موناليزا" في ذروة تنافس شديد بين دافنشي ومايكل أنجلو ورافاييل، وهو التنافس الذي أدى الى ظهور اعمال فنية لا تزال على مر العصور تمثل معايير جمالية اختطت اسس التذوق الفني منذ بداية عصر النهضة. وغدت "موناليزا" خلال القرون الماضية اشهر لوحة فنية على وجه الارض، ومن شهرتها استمد متحف اللوفر الفرنسي الذي اقتناها شهرة اضافية. وعلى رغم ان المتحف يضم مئات الاعمال الفنية النادرة والثمينة التي لا تقدر بثمن، فإن زواره يأتون وفي ذهنهم هذه اللوحة الجميلة وحدها. ويغادرونه وليس في ذاكرتهم سواها. وهو ما غدا مادة خصبة للباحثين الذين يحاولون كشف السر الكامن وراء خلود "موناليزا" التي لم تتأثر بالزمن. وقاد ذلك في احيان كثيرة الى التدقيق في سيرة دافنشي الذي يوصف بأنه مهندس ورسام ومخترع وفيلسوف ولد في قرية فنشي، في منطقة توسكانيا الايطالية، العام 1452، ثمرة علاقة غير شرعية بين محامي القرية وإحدى خادماته التي تدعى كاترينا فاتشا. وبلغ الهوس ب "موناليزا" درجة الاضطراب في رسم ملامح من ابتدعها. فهناك من يصفون دافنشي بقصر القامة والبدانة، فيما يرد في مؤلفات اخرى باعتباره نحيفاً ومراهقاً مفعماً بالأحلام. وكان دافنشي يتمسك بأن اهم ما في لوحته الفريدة الواقعية التي تنم عنها. وبمرور الزمن اضحى دافنشي شخصية غامضة اسوة بابتسامة "موناليزا" التي يفسرها كل ناظر الى اللوحة بالطريقة التي تروقه. والواقع ان موهبة دافنشي المتعددة الجوانب كانت مذهلة لغالبية من عاصروه. ولهذا استعان به عدد من الملوك والأباطرة في روماوفرنسا لتنفيذ عدد من المهمات التي شملت تزيين المدن والكنائس. والى جانب تلك الاهتمامات، كان دافنشي يعنى في مفكرته الخاصة بالبحث في الظواهر الطبيعية وتشريح الجسم البشري. وقال دافنشي في رسالة وجهها الى دوق ميلانو: "انني استطيع ان اشيد جسوراً يمكن نقلها من مكان الى مكان، تفيد في مطاردة الأعداء والنجاة منهم. كما انني استطيع ان اصنع مدافع المنجنيق التي يمكن نقلها من مكان الى مكان في سهوله ويسر. اما في زمن السلم فيقيني انني استطيع اشباع رغبات الآخرين من خلال المعمار وتشييد المرافق العمومية والخصوصية، ونقل المياه من مكان الى آخر". ولا تعتبر "موناليزا" العمل الوحيد الذي اشتهر من انتاج دافنشي. فهناك لوحته الشهيرة "العشاء الاخير" التي تعرض في ميلانو. ولوحته الاولى "العذراء على الصخور" التي يعرضها متحف اللوفر. يذكر ان "موناليزا" كانت اقترنت العام 1495 بفرانسيسكو دي بارتولوميو دي زانولي ديل جيوكوندو. ولهذا استمدت تسميتها "الجوكوندا" من اسم عائلة زوجها التي تنتمي الى الطبقة الارستقراطية في فلورنسا. غير ان لفظ "جيوكوندا" يعني ايضاً في اللغة الايطالية المرأة المرحة الخفيفة الروح. تعرضت "موناليزا" للسرقة في آب اغسطس 1911. فقد سرقها رسام ايطالي مجنون ليعيدها الى موطنها الاصلي. وأمكن العثور عليها بعد عامين لتتم إعادتها الى متحف اللوفر حيث تم استقبالها بالتشريفات التي يستقبل بها رؤساء الدول عادة! وبقيت حيث لا تزال منذ العام 1793. ولم تغادر المتحف إلا مرتين: في 1963 للعرض في الولاياتالمتحدة، وفي 1974 للعرض في اليابان.