"لو لم اكن سكندرياً، لوددت ان اكون كذلك"، بهذه الكلمات استهل الروائي المصري ابراهيم عبدالمجيد شهادته الابداعية التي القاها في "دارة الفنون" التابعة لمؤسسة عبدالحميد شومان في عمان، ضمن احتفالية "فنون وآداب وادي النيل". وأعلن عبدالمجيد: "المدينة تمشي معي، وانا في دمها، على رغم مضي ربع قرن على وجودي في القاهرة". وعلل سر شغفه بالاسكندرية بكونها "مدينة العالم لحوالي خمسة قرون، وهي التي شكلت ما يسمى بالعصر الهلليني حيث امتزجت فيه الفلسفة اليونانية بروح الشرق". ولم يجد صاحب "لا احد ينام في الاسكندرية" تفسيراً لاستخدام "صيغة الجمع في العامية السكندرية"، وقال "تشغلني هذه المسألة، وعادة ما اقرر ان ابحث عن سببها ثم انسى"، لافتا الى ان "النسيان سمة اسكندرية"! وعاب على يوسف شاهين عدم اجادته اللهجة السكندرية في افلامه، على رغم تحدره من المدينة التي عمرها الفا عام ، معترفا بأن اعماله الروائية استحوذ عليها "الفضاء السكندري الجنوبي" في حين أقصي، بلا سبب، الفضاء الشمالي "على رغم انه فضاء البحر المتوسط بامتياز"، ووعد ان يكون عمله المقبل "مكرسا للفضاء الشمالي كله او اغلبه". ومع أن شهادة الأديب المصري المعنونة ب "الاسكندرية مدينة للمجد والرثاء" جاءت مكتوبة، الا انه اختار لدى عرضها اسلوبا روائيا قائما على الحكي متخلصا من عبء القراءة، فجاء كلامه الشفوي بمثابة شهادة اخرى تميزت بالحرارة، والصدق، والاحساس بوطأة المكان الذي شرع يرثيه بحرقة، مستعيدا محطات البهجة والسعادة المنقرضة من المدينة، التي حصرها في ثلاث: "ترعة المحمودية، السينما، وبنات الليل... ملاهي الليل...". وأوضح أن هذه المحطات تشغل حيزا واسعا من اعماله الروائية: "ترعة المحمودية هي التي اخذت بالاسكندرية من العدم الى الوجود"، فهي الى ذلك "ليست مجرد ترعة، وانما هي محفل للأسرار، ومكان مشبع بالموت والجنون والحب والمرح ايضاً". وتذكّر عبدالمجيد 53 عاماً يوم كان طفلا يهرب من المدرسة الى السينما، معتبرا نفسه "اصغر تلميذ في العالم" يفعل ذلك. "وفي السينما، اضاف صاحب "بيت الياسمين"، رأيت الافلام المأخوذة عن قصص أدبية، عرفت ذلك فيما بعد، فصرت اشاهد الفيلم ثم ابحث عن الرواية. وهكذا كانت السينما من اكبر عناصر تثقيفي". اما المحطة الثالثة التي اندثرت من انفاس "المدينة الكوزموبوليتية" فكانت الملاهي وبنات الليل، التي اختفت. ورأى أن الحياة السرية والشوارع الخلفية للمدينة تستحق الدرس والمعاينة، وهو "ما تحاول رواياتي اعادة احيائه وتعميره من جديد". وكان الشاعر ابراهيم نصرالله أدار الحوار مع الروائي المصري الذي اصدر اربع مجموعات قصصية، وحصلت روايته "البلدة الاخرى"، العام 1996، على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الاميركية في القاهرة، فيما أعلنت "لا احد ينام في الاسكندرية" رواية العام في "معرض القاهرة الدولي للكتاب".