الانتقال من الطقس الدافئ إلى الطقس البارد له بعض السلبيات، إذ ينتج عنه تقلبات في درجات الحرارة التي تميل إلى الانخفاض، فتخلق الجو المناسب للفيروسات والجراثيم خصوصاً الأولى لكي تستيقظ من غفوتها فتهاجم جسم الإنسان. وبما أن الاذن والأنف والحنجرة هي أعضاء ذات صلة مباشرة مع بعضها البعض من جهة، ومع الوسط الخارجي من جهة ثانية، فإنها من أكثر الأعضاء تأثراً بتقلبات الطقس، فهي تشكل البيئة المناسبة لاستيطان بعض الأمراض الشائعة ومنها: الرشح، يعتبر الرشح من أكثر الإصابات، خصوصاً في فصلي الخريف والشتاء، وسبب ذلك البرد الذي يشجع على غزو الفيروسات للغشاء المخاطي المبطن للأنف فتنشأ معركة ضارية يحاول فيها الأخير صد العدو بما يملكه من ترسانة دفاعية فتكون النتيجة غالباً لمصلحة الغشاء المخاطي، لكن هذا الأخير قد يخسر المعركة فيعاني المصاب من العوارض الآتية: - العطاس: وهذا يكون قوياً وعنيفاً ومديداً وتأتي العطسة الواحدة تلو الأخرى من دون توقف. - السيلان الأنفي، ويكون مائياً، صافياً، غزيراً يسري من دون توقف ويبلل مناديل كثيرة من دون أن يترك بقعاً عليها. - انسداد الأنف الجزئي أو الكلي. - السعال والتعب والانحطاط العام وارتفاع الحرارة. كيف يعالج الرشح؟ لا يوجد للرشح أي دواء نوعي قادر على اجهاضه، وكل ما يمكن عمله لمواجهته هو التخفيف من وطأة العوارض التي تجعل المصاب في حال يرثى لها، وعلى المريض أن يتبع التعليمات الآتية: 1- استعمال بعض الأدوية المضادة للاحتقان ومضادات الحرارة في حال وجودها. 2- شرب ليترين من الماء على الأقل يومياً والإكثار من التيزان مشروبات الأعشاب الساخنة. 3- الاستراحة المطلقة في السرير. 4- التمخيط بلطف فوهة بعد أخرى. 5- غسل الأنف بالمحلول الفيزيولوجي لترطيب الغشاء المخاطي ومنع تراكم المفرزات. 6- في حال السعال استعمال المضاد المناسب. 7- التغذية الجيدة بالخضار والفواكه الطازجة. 8- التوقف موقتاً عن تناول اللحوم والحليب والادهان والبيض والزيوت النباتية، فهذه، ولأسباب غير معروفة بعد، تشجع على زيادة عوارض الرشح، وبعضهم يعزو ذلك إلى تسببها في "ضعضعة" عمل الجهاز المناعي وآخرون يتهمونها لأنها صعبة الهضم وتزيد من افراز المخاط. هل يمكن تجنب الرشح؟ بما أنه لا يوجد أي لقاح يقي من الإصابة بداء الرشح، فإن أفضل وسيلة هي في وضع العراقيل أمام الفيروسات المسببة له لمنعها من إصابة أهدافها، والنصائح الآتية تصب في هذا الاتجاه: - تناول الأغذية الغنية بالفيتامين ث والحديد مثل السبانخ والحمضيات. - تجنب تقلبات الطقس المفاجئة، لأنها تضعف من مقاومة الغشاء المخاطي للأنف فتجعله أكثر عرضة لمخالب فيروسات الرشح. - تفادي ارتياد الأماكن المكتظة بالناس عند حصول الأوبئة، لأن الرشح مرض شديد العدوى ينتقل من شخص لآخر بأسرع من البرق، فاقترب شخص مصاب بالرشح من شخص سليم ستكون نهايته اثنين يعانيان من الرشح. الزكام أو الانفلونزا: معظم الناس، إن لم يكن كلهم، يخلطون بين مرضي الزكام الكريب الذي ترافقه نزلة والرشح. فالأول سببه فيروسات ثلاثة فقط، بينما الثاني أي الرشح سببه فيروسات يقدر عددها بالعشرات إن لم يكن بالمئات. وهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتقد كثيرون بأن الزكام مرض "عابر" وأنه لا يستغرق إلا أسبوعاً واحداً بعلاج... أو من دون علاج. وهذا الاعتقاد غير مقبول، لأنه يجعل من الزكام مرضاً سليماً لا خطر منه كما يتوهم الناس وكيف يكون كذلك ما دام مسؤولاً عن عشرات الملايين من الضحايا، خصوصاً موجة الوفيات التي سببها في العام 1918 عندما حصد ما بين 30 و40 مليون شخص، وحتى الآن ما زال الزكام سبباً في وفاة العديد من الأشخاص، وهو في كل عام يجعل حياة الملايين من الناس واقفة على كف عفريت. يأتي مرض الزكام على حين غرة، إذ يشكو المصاب فجأة من ارتفاع في الحرارة يصل حتى 39 إلى 40 درجة مئوية، إضافة إلى الصداع الشديد الذي يترافق عادة مع ألم واخز خلف مقلة العين يشتد عند تحريكها إلى الجانب وإلى الأعلى. وتترافق الحمى والصداع بآلام عضلية معممة تكون على أشدها في الساقين والمنطقة العجزية وتشاهد في كل الحالات تقريباً درجة من التعب، ويكون الوجه متورداً والجلد حاراً ويشاهد في بعض الأحيان تعرق شديد مع برودة في الأطراف ونقص الشهية على الطعام والغثيان والإمساك. إضافة إلى ذلك، قد يشكو المريض من عوارض تنفسية قد توجد منذ البدء، لكنها تصبح أكثر بروزاً بعد أن تخمد موجة الحمى والمظاهر البدنية الأخرى، وفي أغلب الحالات يعاني المصابون من العطاس وسيلان الأنف وبحة الصوت ويلاحظ كثيراً احتقان في ملتحمة العين وحكة ودماع. ما هي أخطار مرض الزكام؟ إن مرض الزكام بحد ذاته يعتبر مرضاً سليماً، إلا أنه لدى بعض الفئات المحددة من الأشخاص يأخذ منحى خطيراً بسبب إحداثه العديد من الاختلاطات الثانوية التي "يزرعها" في مختلف أنحاء الجسم. والاختلاط الأكثر مشاهدة هو الالتهابات الجرثومية الثانوية، فالإصابة بالزكام تضعف الجهاز المناعي للجسم وتجعله غير قادر على الوقوف في وجه الجراثيم المتربصة به، وأكثر ما يحدث هذا الأمر عند الطاعنين في السن والمصابين بأمراض مزمنة كالربو والسكري وقصور القلب والتهاب الرئة... فعند هؤلاء قد يكون الزكام سبباً غير مباشر للدخول إلى المستشفى والوفاة. ما العمل عند الاصابة بالزكام؟ 1- الاستراحة المطلقة في السرير. 2- شرب السوائل بكثرة. 3- تناول المسكنات لتهدئة الألم وإنزال الحرارة. 4- تحاشي الاختلاط مع المعمرين والمصابين بأمراض مزمنة لوقايتهم من الإصابة بالمرض. 5- تناول الأدوية المضادة للفيروس، وهذه مفيدة شرط أن تؤخذ بعد 48 ساعة من بدء العوارض كحد أقصى، وإلا فلا فائدة ترجى منها، وهذه الأدوية تمتاز بأنها تنقص من مدة الزكام وتخفف من حدة العوارض، ولكن مشكلتها أنها باهظة الثمن. 6- استشارة الطبيب في الحالات الآتية: - المعاناة من الاختلاط الذهني. - صعوبة التنفس. - زيادة حدة العوارض بعد تحسنها لفترة معينة. - عدم ظهور أي تحسن بعد مرور أسبوع على المرض. ماذا عن اللقاح؟ لقد سجل الوسط الطبي ضربة مهمة ضد فيروس الزكام وذلك بايجاد اللقاح الذي يؤمن وقاية تتراوح بين 60 و80 في المئة. وهذا اللقاح يعطى عادة بين منتصف تشرين الأول اكتوبر ومنتصف تشرين الثاني نوفمبر من كل عام، لأن اللقاح فعال لسنة واحدة فقط، وسبب ذلك يعود إلى التحول الذي يطرأ على هوية الفيروس بين عام وآخر. إن اللقاح غير مستعمل بعد على نطاق واسع لأسباب عدة، منها أن بعضهم يعتبر أن مرض الزكام غير خطير، وبعضهم الآخر يظن أنه مصمم للمسنين، والخائفون من الحقن قد يبدلون رأيهم قريباً لأن العلماء يعملون حالياً على وضع لقاح يعطى عن طريق الأنف على شكل نقط أو رذاذ، إذ يودع اللقاح مباشرة حيث تعشش جحافل الفيروس، وبالتالي لا ضرورة لاعطائه عن طريق الحقن، والباحثون حالياً يقومون بوضع اللمسات الأخيرة عليه وذلك قبل طرحه في الأسواق في القريب العاجل. التهاب الجيوب الأنفية: يملك الإنسان سبعة جيوب أنفية لها قنوات تفتح على مجرى الأنف مهمتها افراغ الهواء والمفرزات. إن انسداد هذه القنوات يعرض للإصابة بالالتهابات الجرثومية التي تكثر عقب الإصابة بالرشح. إن الجيبين الفكيين هما من أكثر الجيوب تعرضاً للالتهاب واصابتهما تؤدي إلى الشكوى من آلام تكون نابضة أو على شكل ثقل أو توتر في الوجنة، وتمتاز بأنها تزداد عندما يكون الرأس في وضعية سفلية أو عند الجهد أو العطاس أو المضغ أو السعال. إضافة إلى ذلك قد يعاني المصاب من الحمى وانسداد الأنف مع سيلان أنفي كثيف وقيحي. كيف يعالج التهاب الجيوب؟ - تناول مسكنات الألم. - أخذ مضادات الاحتقان الأنفية على شكل رش أو قطرات. - استعمال التبخيرات الموضعية. - شرب المضادات الحيوية المناسبة بعد استشارة الطبيب. التهاب اللوزتين: يحدث التهاب اللوزتين لدى كل الأعمار ولكنه يحصل أكثر ما يحصل لدى الأطفال بين الخامسة والعاشرة من العمر. يعاني المصاب بالتهاب اللوزتين من الحمى والوهن وتسارع النبض مع آلام في الحلق وصعوبة بالغة في البلع، وبالفحص بالعين المجردة تكون اللوزتان متضخمتين ومغطاتين بالقيح. كيف يعالج التهاب اللوزتين؟ يتم العلاج وفق أسس الآتية: - البقاء في السرير في غرفة دافئة. - شرب السوائل الحارة. - تناول خافضات الحرارة والمسكنات. - تناول المضادات الحيوية عند اللزوم وبعد استشارة الطبيب. التهاب الحنجرة: وهو إصابة متواترة وسليمة عند البالغ، لكنها ذات خطورة عند الطفل. وهذا الالتهاب يحدث بعد التعرض للغبار أو إثر الإصابة بالالتهاب البلعومي الأنفي، أو بعد التغير المفاجئ في الطقس. كيف نتعرف على التهاب الحنجرة؟ إثر الإصابة يعاني الشخص من الدغدغة في الحلق مع حرقة في الحنجرة والسعال الجاف المؤلم، إضافة إلى الرغبة المستمرة بتنظيف الحنجرة مع بحة في الصوت، إضافة إلى ارتفاع الحرارة والوهن العام. كيف يعالج التهاب الحنجرة؟ يتم العلاج وفق الآتي: - تجنب المخرشات بكل أنواعها. - الامتناع عن الكلام مع الاستراحة في غرفة ذات هواء رطب لمدة أسبوع على الأقل. - استعمال المطهرات الموضعية بالغرغرة. - استشارة الطبيب لوصف المضادات الحيوية الضرورية إذا لزم الأمر. التهاب الأذن الخارجية: وهذا الالتهاب قد يكون وحيد الجانب أو ثنائياً، فإذا كان وحيد الجانب فهو ناجم عادة عن سيلان الاذن الوسطى اثر اصابتها بالالتهاب. أما إذا كان ثنائياً فسببه اما جرثومي أو فطري أو تحسسي. كيف يتظاهر التهاب الاذن الخارجية؟ يتظاهر الالتهاب بالشكوى من تخريش شديد في مجرى الاذن مع الشعور برغبة قوية بالحكاك بالإضافة إلى المعاناة من سيلان الاذن وخفة في السمع. ما هو العلاج؟ يتم العلاج بتنظيف الاذن واستعمال القطرات الحاوية على المضادات الحيوية في حال الإصابة الجرثومية، أو مضادات الفطور عندما يكون السبب فطرياً. التهاب الاذن الوسطى: وهو من الاصابات المتواترة جداً، خصوصاً عند الأطفال، ويكثر في فصل الشتاء نتيجة تغير الطقس واشتداد هجمة الفيروسات. والتهاب الاذن الوسطى يحصل عادة اثر اصابة الأنف والبلعوم بالالتهاب، إذ يصعد هذا الأخير عن طريق بوق اوستاش وهو قناة تصل البلعوم بالاذن الوسطى. أو قد يحصل الالتهاب عقب إصابة الجيوب الأنفية حيث تسقط مفرزاتها الملتهبة في البلعوم ومنه إلى الاذن الوسطى عبر بوف اوستاش. كيف يتظاهر التهاب الاذن الوسطى؟ يشكو المريض بالتهاب الاذن الوسطى من عوارض هي الألم في الاذن مع خفة في السمع وارتفاع في الحرارة. وإذا كان الطفل رضيعاً فإنه يرفض الطعام ويبكي باستمرار ويضع يده على اذنه المؤلمة، وفي الليل لا ينام ولا يترك من حوله ينام أيضاً، وقد تترافق هذه العوارض مع التقيؤ والاسهال والتشجنات. ما هو العلاج؟ يقوم العلاج على الأسس الآتية: - تنظيف الاذن عند الطبيب المختص. - المسكنات وخافضات الحرارة. - القطرات الأذنية المناسبة. - المضادات الحيوية. استشر طبيبك في الحالات الآتية إذا كنت تعاني من سيلان الأنف بمفرزات متقيحة مترافقة مع أوجاع في الرأس. إذا استمر الرشح أو الزكام لأكثر من أسبوع وكان تطوره من سيئ إلى أسوأ. إذا كنت تعاني من صعوبة في البلع أو التنفس. إذا استمرت الحمى لأكثر من ثلاثة أيام. إذا كنت تعاني من إصابات أخرى كالربو والسكري وارتفاع الضغط الشرياني، أو اصابة قلبية أو بولية أو كبدية أو كلوية أو عند المعاناة من ضعف في المناعة. إذا داهم الرشح أو الزكام بعض الفئات مثل الرضع والشيوخ والحوامل والمرضعات والمصابين بأمراض مزمنة. إذا كنت تتناول أدوية أخرى لا علاقة لها بالرشح أو الزكام.