بعد تزايد أعداد السيارات بصورة مخيفة أخيراً وتحولها الى كابوس يومي على مستوى الاختناقات المرورية في المدن، وبعد اقتراب عدد هذه السيارات من حاجز البليون وحدة واكتظاظ عدد من العواصم حيث يسكن أكثر من نصف سكان المعمورة بالمركبات التي تسفر عنها إنبعاثات ملوثة غير مسبوقة فضلاً عن استهلاك كبير للوقود، بدأ مهندسون ومصممون لوسائل النقل بالتوجه نحو ابتكارات عملانية تجاوباً مع تحوّل أذواق الزبائن شيئاً فشيئاً نحو السيارات المُدمجة، ما دفع الصانعين بدورهم الى تحويل دفتهم نحو إنتاج مثل هذه السيارات الصغيرة التي يقبل عليها العامة، ذات الإنبعاثات المحدودة والاقتصادية في استهلاك الوقود، بل والاتجاه كذلك نحو استخدام بدائل رديفة للوقود التقليدي، شأن أنظمة الدفع الهجين والمحركات الكهربائية والاستعانة بالوقود الحيوي المستخرج من النباتات، وغيرها من الحلول المبتكرة التي لا يسفر عنها أي إنبعاثات ضارة قد تؤدي الى تغيّر المناخ وتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري. من هذا المنطلق أطلقت جنرال موتورز بالتعاون مع شركة سيغواي الغنية عن التعريف والمتخصصة بإنتاج مركبات تحمل الإسم ذاته، سيارة كهربائية إختبارية جديدة تسير على عجلتين وتتسع لمقعدين فقط، وذلك خلال مشاركتها أخيراً في فعاليات معرض نيويورك الدولي، علماً أن هذه السيارة التي تُدعى «بوما»، وهو اختصار بالأحرف الأولى لنظام التجوال المُدُني الشخصي والإتاحة، تسمح لمستخدميها الدخول السهل الى الشبكات الإلكترونية وتجمع بين التصميم العصري غير المستهلك والتقنيات المبتكرة، الى جانب تقديمها حلاً عملانياً لتجنب الإختناقات المرورية من خلال قدرتها على السير بسهولة في الطرق المكتظة بالسيارات. آمنة على رغم صغر حجمها وعلى رغم حجمها الذي قد يثير المخاوف والشكوك، الا أن «بوما» التصوّرية الجديدة تُعّد سيارة آمنة وسرعتها معقولة نسبياً، حتى أنها لا تحتاج الى وسائد هوائية أو الى أنظمة السلامة التقليدية، بسبب التقنيات المتطوّرة التي تتيح إمكان رصد موقع الأجسام المتحركة قبالتها، سواء كانت من المشاة أو السيارات الأخرى، ومن ثم تجنّب الاصطدام بها. كذلك جُهزت «بوما» الإختبارية بتقنيات متطورة للتواصل المعلوماتي تتيح امكان تخاطبها وتفاعلها المباشر مع السيارات الأخرى، ما يحول دون وقوع الحوادث وتجنب الإختناقات المرورية المتكررة. وفي هذا الإطار، تستفيد «بوما» من جهاز راداري لبث إشارات الراديو واستقبالها يقوم بدور مُرسل المعلومات ومستقبلها، ما يُتيح بالتالي تبادل معلومات مع السيارات الأخرى التي زودت بالجهاز ذاته عبر شبكة محلية لاسلكية شبيهة بشبكة الإنترنت ويحول دون وقوع أي حوادث، بل وتقديم بدائل مقترحة لطرق أخرى لتجنّب منطقة الازدحام، وهو نظام شبيه بتقنية التبادل المعلوماتي بين السيارات وبعضها بعضاً. على صعيد آخر، تتبنى «بوما» تقنيات تحديد المواقع الجغرافية والإتصال المباشر مع الأقمار الاصطناعية فيما يُعرف باسم نظام «أون ستار» العائد لجنرال موتورز، والذي يزوّد كل سيارة بمعلومات عن محطات الوقود والمطاعم والطرق البديلة والمرافق المحيطة بها، وعن تعرّض السيارة لأي عطل هندسي أو ميكانيكي مع إمكان الإبلاغ الإلكتروني عن أماكن التجمعات والإزدحامات المرورية، بحيث يعمد السائق الى تجنّبها وبالتالي اختصار الوقت وتوفير استهلاك الوقود وخفض إنبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. سهولة في التحكّم وعلى رغم أن تصميمها ليس جديداً كلياً وقد تعرفنا سابقاً على نماذج تحمل توقيع تويوتا وسوزوكي مثلاً في المعارض العالمية وتحديداً معرض طوكيو الدولي خلال السنوات الماضية، الا أن «بوما» تتميز عن هذه الطرز الكهربائية بأنظمة ثباتها الديناميكية، من خلال رصد حركة قاعدة العجلات وتوجيهها عبر مستشعرات خاصة، فضلاً عن وزنها الخفيف الذي لا يتجاوز 136 كلغ، كما أنها تعمل ببطارية من فئة أيونات الليثيوم تكفل سرعة قصوى تصل الى 56 كلم/س، مع إمكان اجتياز مسافة حتى 56 كلم قبل إعادة شحن البطارية مُجدداً في عملية تستغرق بالكامل من 5 الى 8 ساعات. ويمكن القول بأن «بوما» الجديدة تشبه مركبة غولف قسّمت الى جزءين، تماماً مثل «ريكشاه» أو المركبة الشهيرة في الصين ذات العجلات الثلاث، والتي يتألف مقدمها من دراجة يُجرى تسييرها من خلال بدّلات، في حين يحوي مؤخرها على مقاعد غير منفصلة يجلس عليها الركاب. وفي خطوة تعزز مواكبة تصميم «بوما» لأساليب الحياة العصرية، يلاحظ أن آلية تسييرها مبسّطة للغاية، حيث يكفي الضغط على المقود، الذي يخفي وراءه شاشة عرض رقمية لاسلكية لإستعراض السرعة ومدى استهلاك البطارية لدفع السيارة الى الأمام، بينما يكفي شدّ المقود الذي يعمل بآلية لاسلكية معقدة، لا تستخدم أي كابلات أو أسلاك في الاتجاه المعاكس، للتوقف أو خفض السرعة. كذلك يمكن لكل من السائق أو الراكب الآخر، التحكّم في تسارع السيارة بتحريك جسديهما وأرجلهما الى الأمام أو الخلف، وهو ما قد يُمثل عيباً في حال إعطاء الضوء الأخضر لإنتاج «بوما» التي تعتمد على عجلات صغيرة في الأمام والخلف، تساعدها على تعزيز الثبات والاستقرار في حالات التوقّف، مع إمكان طيها مجدداً عند السير مرة أخرى. أخيراً، لم يُعلن رسمياً عن موعد طرح «بوما» في الأسواق بعد إعطائها الضوء الأخضر للإنتاج على صعيد تجاري واسع، وإن كانت جنرال موتورز تحديداً، تأمل في أن ترى «بوما» النور بحلول عام 2012. أما عن الكلفة المتوقعة، فينتظر أن يتراوح سعر السيارة الجديدة ما بين ربع الى ثلث متوسط تكلفة السيارات التقليدية لتؤكد «بوما» أنها من الحلول الضرورية حالياً للتخفيف من الإختناقات المرورية والحدّ من الإنبعاثات المضرة بالبيئة. www.carsandspeed.com