يصف وزير في الحكومة الأردنية رئيسها عبدالكريم الكباريتي بأنه ثاني أقوى رئيس وزراء بعد المرحوم وصفي التل، إلا أن هذه الصورة لن تصل الى الناس على هذا النحو ما لم ينجح الكباريتي في امتحان رغيف الخبز الذي وجد نفسه فيه كجزء من الاستحقاقات الثقيلة للأزمة الاقتصادية ووصفة صندوق النقد الدولي للخروج منها. رغيف الخبز هو الحديث الأبرز والأكثر اثارة للجدل وللانتقادات بين الاردنيين، ولا دلائل على خروج الحكومة سالمة منه الا بتدخل الأكثر قدرة على مواجهة مثل هذه الظروف في الأردن وهو الملك حسين من دون سواه. وفجرت الحكومة الأردنية القنبلة بأن أعلنت عزمها على رفع أسعار الخبز لتصل الى ما نسبته 300 في المئة من سعرها الحالي المدعوم من خزينة الدولة، 25 قرشاً بدلاً من 8.5 قروش. ودافع الكباريتي عن القرار الحكومي معتبراً أنه تغيير في أسلوب دعم رغيف الخبز وليس رفعاً للدعم. وأوضح ان ما نسبته 35 في المئة من الخبز المدعوم تذهب هدراً اما بواسطة المهربين خبز وطحين أو السياح خبز أو مربي المواشي نخالة أو العمال الوافدين. ويقوم القرار الحكومي الوشيك على أساس ان تدفع الدولة مرتباً سنوياً لكل مواطن مقداره 15 ديناراً وفق آلية محددة بدل الزيادة في سعر الخبز وعلى اعتبار ان استهلاك الفرد الشهري من الخبز يقدر بحدود 1.28 دينار. ويقدر المبلغ الذي ستنفقه الدولة بحدود 64 مليون دينار لكن الوفر المتوقع يبلغ نحو 53 مليون دينار حسب رئيس الوزراء نفسه، وهو أكبر بكثير من نسبة 35 في المئة المهدورة، لأن الوفر سيتحقق من مبيعات الأعلاف الذرة والنخالة والشعير والقمح مرتبط بها من حيث الاستيراد ودخوله في معادلة صنع الأعلاف. ويستورد الأردن نحو 660 ألف طن من القمح سنوياً، اضافة الى مئات الاف الأطنان من الذرة والشعير وتدعم خزينة الدولة أسعار الأرز والسكر والحليب. ويعلق رئيس الوزراء قائلاً ان الأردن أصبح محطة لتسمين المواشي بسبب دعم اسعار القمح والأعلاف لمصلحة الدول المجاورة اضافة الى عمليات تهريب المواشي والطحين والخبز. وتعاني موازنة الدولة عجزاً يقدر بنحو 157 مليون دينار حوالي 230 مليون دولار كما ارتفعت متطلبات دعم السلع الأساسية الى 195 مليون دينار في حين ان الموازنة خصصت مبلغ 38 مليوناً لدعمها. ويعاني الأردن من فجوة تمويلية مقدارها 800 مليون دولار، ومن غير الممكن سدها من دون تطبيق برنامج التصحيح الاقتصادي المتفق عليه بين صندوق النقد الدولي والحكومة الأردنية منذ عام 1989. وقال الكباريتي الذي بدا حازماً أمام النواب ان أهداف برنامج التصحيح الاقتصادي ستتعرض لنكسة، وطالبهم بتقديم البديل ان لم يقبلوا القرار. واعترف بأن الوفر المباشر المتوقع من قرار رفع الخبز سيكون بين 9 و11 مليون دينار. وعارض معظم النواب الأردنيين القرار من حيث المبدأ في حين اعتبره نواب المعارضة وفي مقدمتهم نواب حزب جبهة العمل الاسلامي "ضغطاً على الزناد". اما أحد نواب الوسط البارزين فاعتبر الخبز قضية سياسية ولا تبحث على أسس اقتصادية بحتة. وسألت "الوسط" المهندس سعد هايل السرور رئيس مجلس النواب الاردني عن قضية رغيف الخبز، فقال ان المبدأ الوحيد المقبول هو عدم المساس بالخبز أياً كان السبب. وأضاف انه أمام اصرار الحكومة على السعي لاتخاذ مثل هذا القرار لم يبق أمامنا سوى الأمل الاردني الدائم بتدخل الملك حسين للحيلولة دون اصداره. وأعرب عن اعتقاده بأن الملك لا يوافق على مثل هذا القرار بصرف النظر عن طريقة تطبيقه. وقال ان غالبية النواب لا تؤيد هذا القرار لأن البرامج الاقتصادية لا تعني شيئاً ان لم تراع استقرار المجتمع. وحذر من الاقتراب من رغيف الخبز وإذا تم فليكن الحديث عن رفع طفيف للأسعار وبالتدريج بشكل لا يشعر معه المواطن بالعبء. وقال ان أشياء كثيرة تبدو مقلوبة عند الحديث عن رغيف الخبز، فخيرات السلام الموعودة تتحول الى مزيد من الاعباء، ثم ان التوجه لرفع الدعم يتم في ظروف الأزمة في حين ان دعم المواد الاستهلاكية الأساسية قرار اتخذ في وقت البحبوحة الاقتصادية والتي اكتشفنا أنها لم تكن سوى بحبوحة في المنح والاقتراض لا الانتاج. ولاحظ رئيس مجلس النواب ان مسألة رفع أسعار الخبز استغلت سياسياً وأن قراراً من هذا النوع ستكون له آثاره السلبية على المجتمع. وأعرب عن خشيته من أن يكون وضع رغيف الخبز ناتجاً عن التساهل في المرحلة الأولى من مراحل التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وتساءل عن وعود السلام قائلاً ان الأردن الذي تحمل القسط الأكبر من اعباء القضية الفلسطينية والصراع مع اسرائيل عليه ألا يتحمل ايضاً النتائج السلبية فحسب لعملية السلام.